الثلاثاء، 12 مارس 2013

التدين التعاوني (2-2)



من خلال حديثي عن ظاهرة التدين التعاوني والمتشارك في مقالتي السابقة, أجده مهماً أن أشير إلى أن الظاهرة الدينية المتكاتفة والجماعية غير مرفوضة, وليس ما أرمي له كراهيتها, أو البعد عنها, فهي مظهر جميل وتعبيرٌ موحي, إذا أخذ على أساس صفائه ونقائه.. 
ما أعنيه بالتحديد, أن المبالغة في الوصول لهذه الحشد أو التجمع هو السيء في الأمر, إذ إنه قد يأخذ في مضامينه ويشتمل بين حشوده على حالات تمثل هذا التجميع ولكنها غير حقيقية؛ وكيف أنها غير حقيقية..؟ فهذا يتضح من خلال المظاهر أو المخرجات والنتائج, حيث إن سمة التناقض والشخصيات المزدوجة تطفو على السطح بشكل لافت, إذ ليس من الغريب أن من يأمر بالفضيلة ويمارسها ويحث على ممارستها في الجهر, بل وحتى إنه يشنع على مخالفيه ويهاجمهم بشراسة وضراوة تذهب به في حالات كثيرة حد اللا أخلاقية, ليس من الغريب أن يمارس الرذيلة حتى أدنى مستوياتها في الخفاء, وهذا يدل بوضوح على أن الإيمان لم تخالط بشاشته قلبه, وإنما يسعى لأن يتفق ويتماهى مع المظهر العام ومفاهيم العقل الجمعي التي تفكر وترى وتسمع وحتى تقرر برأي الجماعة.. 
ولضرورة التأكيد على أن الأصل في الإيمان هو القلب, أي أنه الشيء الخفي والمختبئ عن مشهد الأحداث الدائرة أمام الآخرين, وأصل الثواب والعقاب من عند الله-جلَّ في علاه-إنما هو أمرٌ مناط بالنيات والسرائر والتي تدور حولها الإيمانيات, وإنما أصل العلاقة الإيمانية هي نتاج تفاعلي بين العبد وربّه, فالله تعالى يأمر العبد أن يفعل ولا يفعل, والعبد يمتثل للأمر ويطيعه أو يرفضه, ومن خلال هذا التفاعل الخاص تكون علاقة التدين الحقيقي والصادق, وعلى العكس منه تماماً تكون علاقة الرفض والتمرد.. 
إذا فهمنا التدين من خلال زوايا متعددة, وأعدنا النظر إليه كل مرّةٍ من مكان مغاير, فإنه لزاماً علينا أن نكون منصفين, وألا نُصدر أحكاماً القطعية على أساس إيمان (س) من الناس مجازفة؛ لأن هذه علاقته بربه, ولا نمتلك التدخل فيما بين العبد وربه, ومن المهم أننا لا نرفض ونقصي المشهد الآخر الذي يحض على الجماعة, بل نشحذه أن يكون أكثر صدقاً وإيماناً من خلال صدق مجيء الناس إليه وانخراطهم ضمنه.

نشر بتاريخ 06-09-2012

رابط المقالة على الصحيفة:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق