الجمعة، 18 يناير 2013

أدلجة التوجس


من أكثر المعضلات التي تقف في وجه تنمية وتطور المجتمعات فكرياً وثقافياً ما يوصف بالأدلجة, بل إن أشدها حينما يصبح التوجس مؤدلجاً, وتظهر بقوة عقول متوجسة تتسم بالحذر والتشكيك في كل ما حولها.
إذ أنه على مستويات متنوعة في كل ما حولنا لا تخلو حياتنا اليومية من رصد ممارسات متوجسة وحذرة, في كثيرٍ من الأحيان تكون هذه الممارسات غير مبررة وتدعو للتفكير والتوقف للبحث حول مسبباتها والتي غالباً لا تنتهي إلى نتائج مبررة, لكن التساؤل: مما التوجس؟ ولماذا الحذر؟
تأتي الإجابة على هذه التساؤلات لتضفي مزيداً من الحيرة والتساؤل, إذ أن العقل لا يصل لنتيجة مقنعة تشبع تلك التساؤلات المثخنة, القليل من تلك العقول المتسائلة ينتهي لشيءٍ خفي يفسر ممارسات الحذر والتوجس, هذه الممارسات التي طبعها وقام على تغذيتها المجتمع المتوجس, إذ أنه يطبع أفراده بصفة الخوف والتوجس والحذر من الغير بشكل أو بآخر حتى تتسم ممارسات المجتمع بتلك السمات.
في تلك البيئة المجتمعات تمارس التوجس والحذر من أي فرد جديد ينظم إلى تكويناتها, ذلك الحذر والتوجس ليس وليد اللحظة أو أنه أمراً طبيعياً, فله مسبباته التي بالضرورة ساعدت على تكريسه, ومنها على سبيل المثال سمات المجتمع الرئيسية والتي تمت أدلجتها لممارسة هذا النوع من التوجس في وقت غياب تام لقدرتها على التفكير والتحليل, وكأنها أصبحت تمثل ما يسمى بالإرادة المسلوبة, فالمجتمعات المتوجسة والحذرة مسلوبة الإرادة لأيدلوجيا تحركها عاطفياً وتستخدم عقول أفرادها دون أدنى قدرة على التفكير أو التحليل, ولعل المثال الواضح لهذه المجتمعات هي ما نراه من مشاهد استخدام الإيدلوجيا في البلدان والتي تستعدي الجميع من أجل تصدير أفكار ثورتها وعقيدتها لوهمها بأن ذلك يعيد لها فلول مجدٍ مضى, أو يصنع مجداً تتخيله, وأيضاً ممارسات جنود الأنظمة القمعية بكل وحشيتهم ضد المدنيين العزّل.


نشر بتاريخ 23-12-2011


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=11263

الاثنين، 14 يناير 2013

لا تشفقوا على المعاقين


خلال أمسية للنادي الأدبي في أبها وفي مداخلة للمعاق يحيى السميري, وهو ناشط حقوقي في مجال المطالبة بحقوق المعاقين, لم تمنعه إعاقته من خوض غمار المجتمع والسعي الحثيث إلى كل ما يمكِّن المعاقين من نيل حقوقهم على مجتمعهم, دلف قاعة النادي الأدبي وأمسيته بكرسيه المتحرك ليقول للمجتمع كلماته الصارخة والعميقة في معناها ودلالاتها.
كان عاتباً على الصحف وكتابها ووسائل الإعلام لأنهم لم يهتموا بيوم الإعاقة العالمي والذي وافق الثالث من ديسمبر الحالي, كذلك فإنه قال كلاماً هاماً للغاية وهو ينتقد بشدة قصور المجتمع ناحية المعاقين وبخاصة الإعلام, قال " نريد من المجتمع أن ينظر لنا من حيث الحقوق لا من حيث الشفقة والإحسان" هذه الكلمات تنم عن قوةٍ وعزيمة ووعيٍ حقوقي لم تتوقف عند حدود الإعاقة, وإنما تجاوزتها إلى حيث الفاعلية والتأثير في المجتمع, وأظن ما كان يبثه من ألم وشجون نابعين من ألمه الشخصي وألم بقية المعاقين في مجتمعنا حيال ما يشعرون به من تهميش وعدم اهتمام, إضافةً إلى نظرات الشفقة والإحسان اللتان يوجهها المعاقين من مجتمعهم, ولأنه من المهم أن نسعى كمجتمع إلى احترام المعاقين وتقديرهم, لأنهم يؤدون أدوارهم الحياتية دون أن يرزحوا تحت وطأة الإعاقة, فهم عناصر من ضمن كل العناصر المكونة للمجتمع, ويجب أن يتم منحهم كل الحقوق التي لهم على المجتمع والوطن ككل, بداية من حقهم في تخصيص أماكن لهم في كل زوايا وأروقة الوطن والحرص على عدم مصادرتهم وإقصائهم واعتبارهم الاعتبار اللائق بعزائمهم المتقدة وهمهم الشامخة وغير ذلك من حقوقهم على مجتمعاتهم, وأظن المعاقين الآن أصبحوا أكثر وعياً وإدراكاً وتجاوزوا مرحلة انتظار الاحسان والشفقة من المجتمع واتجهوا اتجاهاً منهجياً سليماً في سبيل المطالبة بحقوقهم المشروعة.
على هذا النحو ومن ناحيةٍ حقوقية خالصة, فإنه لزاماً على المجتمع مؤسسات وأفراد أن يحترموا حقوق المعاقين وأن يعمل الجميع وبخاصةٍ من يتماس مباشرةً معهم على منحهم كافة حقوقهم الواجبة لهم قانوناً وأخلاقاً.
أمسية النادي الأدبي بالإمكان متابعتها على قناة يوتيوب أدبي أبها, ومداخلة المعاق السميري عند الدقيقة الخامسة والأربعين, وهي على هذا الرابط.


http://www.youtube.com/watch?v=sQugGcPGhb4


نشر بتاريخ 03-01-2013


رابط المقال على الصحيفة:


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14246

زيفُ التاريخ


تزييف الحقائق وقلب الوقائع من أشنع الجرائم الأخلاقية على مرّ التاريخ البشري, لا أعلم ماذا يدفع البعض إلى ممارسة الزيف المتواصل ضد جزء عزيز وشريك أصيل في منظومة تكوين الوحدة الوطنية وتكريس الشراكة العادلة ما بين كافة الأطياف والفئات..!
ما يتعرض له الجزء النازف من محاولات المحو والإقصاء من خلال المؤسسات الرسمية والمحسوبة على الوطن يدعوا للقلق والحنق والغيض والغبن على حدٍ سواء, فمن ورقة الاختبار التي تكرس للتفرقة والشتات وتتهم الجزء في معتقده, إلى محاولات التدليس التاريخي عن طريق مؤلفين جدد لم يُعرفوا في علم التاريخ من قبل, وليس لهم ذاك الباع التاريخي الطويل والناجم عن درايةٍ وتتبعٍ ودراسة مقرونةً بإعمال الفكر المستقل النزيه والخالي من العاطفة, إلى ما تناقلته مواقع التواصل مؤخراً من خطاب رسمي لقاضٍ يلتمس الوظيفة التي تجعل له صفةً قانونية وتمكنه من الدعوة في أوساط من يتهمهم بالبدع والمحدثات في العقيد والعبادات وغيرها على حد تعبيره, ماذا يحدث يا وطن..؟ لا أحد توجه له تلك الإشارات ويصمت ويصبر كما المبتلون في جزئنا العزيز على ما بلاهم به الرب من تُهمٍ متعاقبة..! الأسئلة تتزاحم وتتراكم ولا تهتدي طريقاً وكلها تبحث عمّن يشفي نهمها ويخبرها يقيناً, لماذا..؟ وما الذنب المسبب..؟ 
رواية التاريخ المحترمة لا يمكن أن تسيء لأحد بقصد التصغير والتحقير, كما أنها لا يمكن أن تعتمد على وهن الحديث وضعيف الحجج, رواية التاريخ بطريقة انتقامية لا تثير إلا العكس, ولا يمكن أن تدع غير الآثار السيئة, كما أنها موغل كبير للصدور, وفي ذات الاتجاه فإن الاتهام بالبدعة والإحداث في الدين والشركيات الموجهة ناحية ما لا يمكن أن تأتِ بنتائج حميمية على مستوى العلاقات الإنسانية ما بين أفرد الجزء المتهم والمقصى ومن يتهمه, لا يمكن أن تكون هذه التصرفات إلا نتاجاً لثقافةٍ إقصائية حدّ التطرّف لا تعترف بالتسامح والتصالح كمنهجٍ رئيس لبناء دولة حديثة تعلي من شأن الفرد على أساس فعله وليس بسبب انتمائه المختلف, من يعتمد الاتهام والتزييف كمنهج له؛ لم يتعلم من درس الحياة وثقافة التعايش غير الشك والريبة. 
وحتى يتم بناء الكيانات القوية المتأزرة والمتكاتفة وتوجيهها نحو مجتمعٍ مدنيٍ يؤسس للعدالة, فإنه لا بد أن يسود الاحترام والتقدير ما بين جميع أفراده وطوائفه, من المهم أن تُسن القوانين المنظمة للعلاقة ما بين الجميع والتي تضمن وتكفل للكلِ حقوقه دون إقصاء أو تهميش. 


نشر بتاريخ 10-01-2013


رابط المقال على الصحيفة:


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14303