الجمعة، 12 فبراير 2016

الجماعاتيون وانتخابات الأندية الأدبية

الحراك الذي تسيد مشهد انتخابات الأندية الأدبية مؤخراً, وما نتج عن ذلك من أصداء وصل بعضها للمحاكم , كل ذلك كان أمراً صحياً للغاية, ذلك أن التجربة لا يمكن لها أن تولد ناضجة للوهلة الأولى, ومن مشاهد تلك العملية الانتخابية, ما تم تناوله خلال الكثير من وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي, وتباين الاتهامات ما بين المثقفين والأدباء تارة, وتارة أخرى يلقى باللائمة في كل ذلك على وزارة الثقافة ومنتجها الانتخابي الجديد, بحجة أن لائحتها تحتوي قصوراً فادحاً في حق المثقف والأديب من جهة والثقافة والأدب من جهة أخرى, ولأن الأمر لم ينشأ من فراغ هكذا, بل إن هنالك من الأسباب والدوافع ما كان وراء ذلك, وفي محاولة استقرائية لتلك الأسباب والدوافع, فإن الحديث يأخذنا في البداية إلى الحديث عن نشوء المشكلة وتوظيفها في سياقات مختلفة تماماً غير السياق الأصلي لها..
وعلى ذلك فإن نشأة المشكلة –حسب رأيي- لم تكن إلا محاولة جماعاتية بحتة لأجل القفز المنظم على منابر الأندية الأدبية, في محاولة العودة للمشهد وتعويض بعضاً من الخسائر التي ربما منيت بها في أماكن أخرى كانت تسيطر عليها, كالتعليم مثلاً, وبطبيعة الحال فإن ذلك يأتي بعد أن أقرت عملية الوصول لمجالس الأندية الأدبية وفق الانتخابات, وصدرت اللائحة التي تنظم ذلك, حينها ظنت الجماعة أنه من الممكن أن يتم إضافة الأندية الأدبية إلى مكاسبها, سيما والاشتراط الذي بات مطالباً لدخول الجمعيات العمومية للأندية أتى مواتياً للجماعة, حيث إن اللائحة ضمت في حال عدم تحقق اشتراط المنتج الإبداعي, أن يكون العضو المتقدم لطلب الحصول على العضوية العمومية حاصلاً على بكالوريوس اللغة العربية, كاشتراط تعويضي في حالة عدم وجود المنتج الإبداعي, وعلى ذلك توجهت أرتال المتخصصين في اللغة العربية إلى الدخول في جمعيات الأندية الأدبية, حتى وإن لم تكن تعرف للهم الثقافي والأدبي معنى أو اسم, وخلال تلك الأثناء دخل الجماعاتيون إلى تلك الجمعيات بأشكالٍ تكتلاتية عديدة, بعد أن أزيح عنهم هم المنتج الإبداعي الذي لم يكن ضمن أجنداتهم الجافة والتي لا تعي الإبداع الأدبي, كنتيجة متوقعة للتعود على الجفاف العاطفي, والذي هو أسٌ رئيس من أبجديات الإبداع الأدبي..
المتأمل في المشهد يدرك أن الجماعة حاولت استغلال الخلافات الطبيعية التي نشأت نتيجة ممارسة العمل الانتخابي في المؤسسة الثقافية للمرة الأولى, وذلك من خلال توظيفه لمصلحتها في محاولات تكتلاتية لا تخلو من الطابع الحركي الملحوظ, وحتى أدعم كلامي هذا بالأدلة والاستشهادات التي تقود إلى فهمه, فأنني ألمح إلى أسماء جديدة وطارئة على الثقافة والأدب, لم تكن معروفة منذ السابق, وأيضاً عملية تسديد رسوم العضوية العمومية لمجموعة أعضاء عن طريق عضو واحد, ومن الممكن بسهولة –لمن أراد- التأكد من ذلك عن طريق مراجعة حساب النادي البنكي, وأما من حيث إشكالية انجراف بعض المثقفين في مسألة الطعون والتي أوقعتهم في فخ التعاون مع من يحاول تتير الأندية الأدبية, نتيجة الصدمة التي تلقاها “أي المثقف” حينما خرجت نتائج التصويت على غير ما كان يتوقعه ويأمله من حيث ظنه بأن التصويت سيكون في مصلحته..
لا خلاف لدي حول المطالبة بمحاكمة المزور الذي يدعيه الطاعنون في انتخابات أدبي أبها, وذلك حين تتأكد تهمة التزوير, أما اطلاق التهمة هكذا دون دليل فلا أظنه أخلاقياً, ويلزم من ذلك إثبات الاتهام أو محاكمة مطلق تهمة التزوير, إذ إنه كان بالإمكان تحويل المفردة أو الكلمة أو تلطيفها بأن يقال خطأ مثلاً, أو حدث سهواً, وليس ذلك بمستحيل ونحن في إحدى دور الأدب والتي نتعلم منها أبجدياتنا الأولى حتى نخطّ الحرف كتابةً, متراقصين في ذلك ما بين مفردات اللغة واستخدام فنونها المتنوعة..
أما من ناحية التوجه بمطالبة الأعضاء المترشحين والواصلين لمجلس إدارة النادي بالاستقالة, فهو أمر غير منطقي, لأنه لا يمكن لهم الاستقالة بناءً على ظنون الآخرين, مهما حملوا لهم من أواصر الود والثقة المفضية للتصديق, فالأمر هنا أخلاقي, بحيث يتم الإدلاء بشهادة مهمة, ولا يمكن لمبدأ محترم أن يقبل إدلاء شخص بشهادته بناءً على مشاهدات شخص آخر أو ما سمعه هذا الآخر وتيقن حقيقته..
من ناحية الخسارة التي مني بها الجماعاتيون في انتخابات الأندية الأدبية, فإن ذلك أتى كأمرٍ طبيعي للغاية, لأن الجماعات إنما تعودت الانطلاق من خلال أفكار اقصائية محضة, لم تتمكن وخلال سنيها الماضية من تقديم ما يشفع لها بالتعايش مع الآخر, واعتقد أن التجربة المصرية ليست ببعيدة عنا, حينما قفزت الجماعة إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع, وفي عملية مشروعة تماماً, وفي النهاية فشلت لأنها لا تفهم إلا العمل لأجل خدمة المصالح الضيقة للجماعة, ولا تفهم البناء الوطني المتكامل والشامل للجميع من خلال وعاء واحد..
وعوداً على مسألة الحكم الصادر من إدارية أبها بشأن انتخابات أدبي أبها, فإنه قد حوى في أسبابه وحيثياته بعضاً من الفجوات والأسئلة, والتي لا يمكن أن تمر على العقول الحرة دون التوقف عندها, فمثلاً ذكر في الحكم, أن عداد المعترضين والطاعنين قرابة الأربعين, وحين تم استعراض الأسماء وتفصيلها لم يذكر منها سوى التسعة عشر أو العشرين اسماً, فأين هي أسماء بقية الأربعين..؟؟
كما إن الختم الموجود على الصك لا يعني أن الحكم أصبح قطعياً وواجب النفاذ, ذلك أنه قد يكون غاب على من ظنه نافذاً بأن المحاكم الإدارية تختم على الأحكام النافذة وغير القابلة للطعن بختمين, أحدها يكون مكتوباً عليه هذا الحكم أصبح نافذاً وتم تأييده ويذكر التاريخ, بالإضافة إلى ختم آخر مكتوب عليه يطلب من كافة الدوائر الحكومية العمل على تنفيذ هذا الحكم حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة الجبرية عن طريق الشرطة, وبذلك يصبح نهائياً ومشمولاً بالنفاذ, يدلل على ذلك أنه تم الطعن في الحكم واستئناف التقاضي حول موضوعه, وأصبح يوصف الآن بالحكم الطعين ولم يعد النافذ أو النهائي كما قيل عنه..


نشر في صحيفة البلاد يوم الجمعة.. في تاريخ 26 / 5 / 1435هـ الموافق 28 / 3 / 2014م


رابط المقالة على الصحيفة.
.

الجماعاتيون وانتخابات الأندية الأدبية

الأحد، 16 فبراير 2014

جغرافية اللغة وتعليقات الإمتاع

لعل ما أثاره مؤخراً أستاذنا وأديبنا إبراهيم طالع الألمعي حول موضوع جغرافية اللغة في شعر شعراء منطقة عسير, أقول لعل ذلك يضيف جديداً يعتبر به, وبخاصةٍ لمعلقي الدارة والمستعملين لتحقيق كتاب إمتاع السامر بتكملة متعة الناظر, فحين أعجزهم العمل استصدروا أمراً يقضي بتزويره, لأنهم لم يمتلكوا المعلومة التاريخية الدقيقة لتحقيق الغرض من التحقيق, إذ إن ما حواه الإمتاع من معلومات تاريخية ونصوص شعرية لم تكن غريبة أو معجزة أو أنها مستحيلة الوقوع, كما ظهر في بعض المخيلات, غير أن القوم وعلى ما يبدو يحملون رأياً مسبقاً وانطباعاً معيناً قبيل بدئهم العمل على التحقيق, والتي ظهرت بعد ذلك في شكل تعليقات سادرة كما وصفها أستاذنا محمد بن ناصر الأسمري في مقالته "إمتاع السامر والتعليق السادر".
الجديد الذي أتى به الكاتب إبراهيم طالع عبر مقالاته المنشورة في صحيفة الشرق خلال الأسابيع الماضة, والتي امتدت إلى خمسة مقالات حتى الآن, وكما أرى فإن ذلك العمل كان خلاقاً وجديراً بالاحترام والتقدير, كما إنه سيكون محرجاً للمعلقين, بسبب اهمالهم للبحث الدقيق في مفردات النصوص الشعرية للإمتاع, ما جعل العمل التتبعي اللغوي لها ينتج مفاهيم غائبة, حيث إنه عمل على استقصاء المفردة اللغوية في النصوص التي أوردها الكتاب, وبعد أن قام بالتأصيل لها مكانياً, عمل على  نسبة أحداثها ووقائعها ومناسباتها من خلال خلفية مكانية يتكئ الكاتب عليها, ولا أظن الكثير مما قاله معلقو الدارة سيبقى ذا قيمةٍ بحثية أو منهجية في مواجهة البعد الجغرافي والمكاني للغة, سيما وأن الحجية الواضحة لانتماء نصوص الكتاب جغرافياً تنفي ما قاله المعلقون من أن تلك النصوص جاءت من شخص واحد مجهول لم يشيروا إليه, وإن كانوا على ما يبدو يحاولون التلميح لأحد بعينه, إلا أنهم لم يتمكنوا من توجيه التهمة المباشرة للمجهول إياه, ذلك أن آراءهم لم تتعد الظنون وحسب, واليوم وبعد أن خرجت مقالات (جغرافية اللغة) عند شعراء منطقة عسير بقلم إبراهيم طالع, فإن أبناء المكان والمتشبثين بترابه عراقة هم الأقدر على تمييز ما يخصهم مما لا يخصهم, ولا يمكن للقادم من بعيد أن يكون أقدر منهم على تحديد أنماطهم الحياتية التي مازالوا يتذكرونها جيداً, وتلك اللغة التي يتداولونها بطبيعتهم وسجيتهم المميزة لهم عمن سواهم.

من المهم جداً أن نعلم أن البيئة والطبيعة لا يمكن أن يفهمها ويتفاعل ويتواصل معها إلا من ينتمي لها, وعلى ذلك فإنه من الأجدى والأنفع أن يوكل الأمر إلى من يمتلك الفهم المكاني والجغرافي والحس الأدبي والبعد البيئي, حتى يقوم بوضع التفسيرات المناسبة والصادقة والمقنعة, وليس من المجدي نفي المعرفة إلا بالمعرفة.

نشر في صحيفة البلاد يوم الأربعاء.. وتاريخ 12 / 4 / 1435هـ الموافق 12 / 2 / 2014م




رابط المقالة على الصحيفة..

http://albiladdaily.com/ar/node/6055


السبت، 21 ديسمبر 2013

إخوان السعودية.. ومؤسساتنا "الثقافية"


من المعروف امتداد الفكر الإخواني وخروجه إلى ما وراء مكان النشأة الأولى, استعراض التاريخ يؤكد أن تلك الأفكار تمكنت في مرحلة من المراحل أن تنفذ إلى نفوس الكثير من المسلمين, حتى غدت من أبرز الاحزاب الإسلامية المؤثرة, والقادرة على تشكيل أفكارها وزراعتها بسهولة في عقول الاتباع, ذلك أنها تحاكي الجانب الروحاني لدى الأتباع, وتعزف كثيراً على قضايا الأمة الإسلامية, ومن الطبيعي أن تتغلغل تلك الأفكار في الأذهان التي تهرع إليها بقبولٍ ورضا تامين, وعلى مرّ العقدين الأخيرين أصبحت أفكاراً توّلد القبول والطمأنينة الروحانية..
الأمر الذي لم يتنبه له الأتباع؛ ممن يتلقى تلك الأفكار على أنها محض الصدق وغاية الإيمان, هو أن الحركة مؤسسة على أساس سياسي نفعي وصولي, يهدف إلى الوصول للسلطة والسيطرة على الأماكن ذات الصفة القيادية, حتى تضمن قوتها وقدرتها على الحراك وتحقيق الأهداف بيسر وسهولة.
  خلال تلك المرحلة, والممتدة على مدى ثمانية عقود, كان المثقف العربي هو المدرك الوحيد للفكرة, وقد سعى إلى تفكيك أهدافها وتوضيحها وتقريب فهمها للعامة, الأمر الذي جعل الجماعة تعمل على تصنيف المنتقدين لها والمنظرين لأفكارها ضمن فئة المارقين على الدين وأعداء الله, ولم يلبث التصنيف كثيراً حتى تشربته نفوس الأتباع وآمنت به, وقد اشتد الصراع خلال السنوات الماضية فيما بين المثقف العربي, والذي يعمل على كشف الجانب الخفي الموارب لتوجه الجماعة, مقدماً أعماله في سياقات تدلل على خطورة ما تعتنقه الجماعة من أفكار مقدسة من وجهة نظرها, فيما تفرغ التنظيم الحركي للرد على تلك القراءات التفكيكية تارة باستخدام عصا الدين ووصمها بالمخالفة للشريعة الإسلامية, وتارة عن طريق الجانب الحركي من خلال عمليات حركية تهدف إلى إيصال فكرة عامة عن قوتهم, وما يتمتعون به من بسالة تأخذ بالقوة ما لم يأتِ عن طريق محاكاة القلوب واستمالتها؛ حتى يفهم المخالف أن التنظيم يمتلك قوى وأجندات حركية تؤدي دور المنفذ على الأرض, مع إيهام الأتباع بأن تلك الأفعال الحركية إنما هي حربا ضروس ضد أعداء الدين ومريدي الإسلام بالسوء.
ومع تطاول السنين لم تتمكن الجماعة من مواربة أهدافها الخفية, وأدى ذلك إلى افتضاح الأمر نتيجةً لتنوع وسائل التلقي وبخاصة الثورة المعلوماتية وعصر الأنترنت, مما أدى إلى بداية تشكل وعي جماهيري مختلف, قادر على التفكير باستقلالية تامة, نتيجة لذلك بدت تطفو على السطح شرارة الثورة على من كان يمارس التفكير للآخرين بالإنابة, الأمر الذي أضحى يشكلُ خطراً حقيقياً على وجود الحركة, ذلك أن الأتباع في تناقص مستمر, والعقول تتحرك وتخلق الأسئلة وبخاصة أتباع الأمس, ممن كانت تؤمن بفكر الجماعة, وغدت تعمل على توجيه القراءات النقدية للجماعة من الداخل, ذلك أنها تتذكر جيداً كل الإملاءات التي تلقتها زمن الإيمان الماضي, وتعرف تماماً السرّ الذي يعمل على ترويج وتوجيه الرأي الجماهيري, والقدرة على تشكيله كوعي وترسيخه وفق متطلبات المرحلة.
ولأن المؤسسات الثقافية التي ينضوي تحتها المثقفون, هي الفاعل والمحرك من خلال من ينتمي إليها ويستظلها ممن اشتغل منذ وقتٍ مبكر على إفساد المشروع؛ فإنه من المهم لدى الجماعة الالتفات إلى المعيق الأبرز على الطريق, وبدهياً أن تشكل المؤسسات الثقافية هدفاً مرحلياً قادماً بوصفها المختلف الواضح, يظهر ذلك من خلال ما يبدو بالتخطيط المنظم أو الترتيب المسبق,­ إذ إن قراءة بسيطة لمستجدات الأحداث كفيلة بتسليط الضوء على انضمام الجماعة إلى المؤسسات الثقافية, وبخاصة مع بداية انطلاق التجربة الانتخابية الجديدة لأبرز المؤسسات الثقافية السعودية "الأندية الأدبية" كمثال, والدخول في جمعياتها العمومية عن طريق تحريك من تبقى من الأتباع المضمونين ولاءً والمؤمنين بأهداف الجماعة, العاملين على تحويل التنظيرات إلى أفعال محسوسة, ممن لازالوا يصادقون على فجور الآخر ومروقه على الله والدين, من خلال ذلك يتم الالتفاف على الابن العاق وضمان بقائه تحت السيطرة, وبالتالي القضاء على الدور التنويري للمؤسسة الثقافية, واحتواء أفكارها وتوجيهها في اتجاه لا يفسد الهدف السامي للجماعة, وكأقل الضررين "إن لم يكن التوجه الثقافي مؤازراً لمشروعهم, فإن السيطرة على المؤسسات الراعية للفعل الثقافي سيضمن تحييدها, والمهم هو قمع وإسكات المثقف وخفت صوته داخلها", وبذلك يتم القضاء على الخطر المقوض لتطلعات الجماعة, والعامل الأهم في تفكيك الفكر الناتج عنهم, من خلال ما تشكله أعمالهم وقراءاتهم النقدية والفكرية على وجود الجماعة فضلاً عن تبني أفكارها.
ما شكله المشهد من إقبال الجماعة على المؤسسات الثقافية بعد عزوفهم عنها دهراً طويلاً, وتلك الحالة التي أظهرت المشهد مشوهاً؛ كل ذلك يشير إلى أن تدخلاً (ما) عمل على حبكة السيناريو حتى يبدو غوغائياُ موغلاً في العبثية, ومن ثم تحويل المثقفين المنتمين إلى تلك المؤسسات إلى مجرد أفراد متناحرين ومنشغلين بتقييم الإجراء الجديد في تاريخ المؤسسة الثقافية "انتخابات الأندية الأدبية", هذا الأمر الذي يصور المثقف أمام الوعي الجماهيري على أنه مجرد باحث عن الأضواء, لاهث وراء الكرسي, أرعن لا يجيد التحكم في ضبط انفعالاته, بحيث يصبح من السهل أمام الجماعة تعزيز إقصاء المثقف وتكريس عزلته, عن طريق إثارة سؤال كبير أمام الجماهير, وتقريبه وتبسيطه إلى الذهنية الجماهيرية, واستثمار التجربة السابقة للتأثير على العقل الجمعي, بطريقة الزج بسؤالٍ عريض كناتج طبيعي وحتمي لدى الذهنية الشعبوية, حتى يتم استشفاف السؤال المهم..! عن كيفية منح الثقة والاهتمام بما يقوله ذلك المثقف وهو لم يستطع الخروج من أزمته أو ضبط انفعالاته, بل إنه بمجرد وضعه على محك الديموقراطية وممارسته لفعل الانتخابات بدا مهترئاً أمام الجميع, وظهر أنه غير قادر على التفكير لنفسه فضلاً عن تفكيره للآخرين وتشكيل وعيهم, وبدت أفكاره التي يدعي أنها تنويرية لا تخرج عن إطار العبث والبعثرة للمجتمع المتماسك, الذي بنى نفسه على أساس إسلامي قويم, يستمد أفكاره وكل حراكه من التوجيه الإلهي, ومن جديد الاستفادة من التأكيد على معية الخالق.

أمام هذا الحراك الجديد, يتم تعزيز الفصل ما بين المثقف والمجتمع, ووضعه في مكانٍ قصي بعيد عن المشهد, مما يتيح للتنظيم استغلال المساحة وملء الفراغ "بتكتيكية مرحلية"..


نشر في صحيفة الحياة بتاريخ 27 / 8 / 2013


رابط المقالة على الصحيفة..

http://alhayat.com/OpinionsDetails/545526





الجمعة، 3 مايو 2013

إلا عسير لا تُعلِق الدراسة


طالعتنا هذا الأسبوع الأحوال الجوية ببشائر الخير والبركة وهطول الأمطار, ذلك الأمر الذي دعا مناطق نزولها إلى تعليق الدراسة, ملتزمين في ذلك بما يصدر من تحذيرات الأرصاد الجوية, وقد بادرت الوزارة إلى منح تلك الصلاحية لمدراء التعليم حرصاً على سلامة وأمن أبنائنا الطلاب.

وتزامناً مع هذا الحدث بدأت مواقع التواصل بالتعليق على هذا الخبر, ولعل أطرف وأصدق تلك التعليقات التي قرأتها, هو ذلك الذي يقول فيه كاتبه: "ندعوا الله أن يسقينا الغيث وينزل علينا المطر, فإذا جاءنا الخير؛ تم تعليق الدراسة بسبب سوء الأحوال الجوية, والحقيقة أنه بسبب سوء البنية التحتية", وأظن هذه العبارة تختصر كثيراً مما يمكن أن يقال في هذا المقام, فالدول التي تعيش أغلب أيام السنة ما بين الأمطار والثلوج لا تتوقف فيها الدراسة؛ لأن بنيتها التحتية مصممة لتحمل ما نسميه عندنا سوءً للأحوال الجوية, وفق دراسات حقيقية, ومنفذين لا يهمهم إلا مصلحة بلدانهم.
المهم يا سادة حدث ما حدث, وعلق من علق الدراسة, إلا إن تعليم عسير لم يفعل ذلك برغم التحذيرات التي تم إطلاقها, ذلك الأمر الذي جعل طالبات المدارس وطلبتها يأخذون حماماً تحت المطر أثناء عودتهم من المدرسة, إذ إن المطر عادةً في عسير لا يهطل إلا في وقت الظهيرة, وهو الوقت المعلوم لعودة الأبناء من مدارسهم, صحيح أن اليوم يبدأ صحواً كعادته, لكنه ما يلبث أن تتجمع غيومه وتهطل أمطاره الغزيرة في لمح البصر, وقد شهدت وصورت مناظر لطالبات وطلاب من أطفال المرحلة الابتدائية يكابدون حمل حقائبهم المدرسية تحت وابل المطر وقد انهكتهم زخاته المتزايدة, منظرٌ لا أظن أحداً يحتمل رؤيته فضلاً عن أبٍ أو أمٍ يريان صغارهم في تلك الحال السيئة, وكل ذلك يأتِ بسبب سوء التقدير ممن كان خليقاً بهم أن يجعلوا أمن وسلامة الطلبة أولى أولوياتهم, مستلهمين أمامهم تضاريس منطقتهم المتنوعة والمتباينة, ما بين السهل والجبل والوادي الذي سيصبح خطراً كبيراً في حال جريانه, ومروره بالأماكن المأهولة بالناس والمدارس, ومعلومٌ في أودية عسير السحيقة أنه قد يأتِ سيلٌ يكُظُ جنباتها دون سابق انذار أو حتى هطولٍ للمطر, وهو ما أسماه الدفاع المدني أثناء إطلاقه للتحذيرات بمصطلح "السيول المنقولة".
لا بد لساسة التعليم في عسير, وصناع قراره, أن يقتربوا من هموم الناس, ويدركوا مخاوفهم على فلذات أكبادهم, عن طريق الفهم والدراية بمناخ المكان, وظروفه المتغيرة بسرعة, والمختلفة عن الغير, حتى يتمكنوا من صياغة وصناعة قرارٍ يجنب الأبناء مخاطر غير محمودة إن هم أحكموا إصرارهم على قناعاتهم ولا سواها, سلَّم الله الجميع..



نشر بتاريخ 02-05-2013


رابط المقالة على الصحيفة..

http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=15251





الاثنين، 25 مارس 2013

الحلولُ المُمكِنةُ


أقول ممكنة لأنه من الممكن التعاطي معها وإخضاعها للتجربة لتكون على محك اختبار حقيقي, ومن ثم إصدار الأحكام عليها, بعد معاينة النتائج, ولأن بعضاً من قضايا الساعة -والتي مازالت شاغلاً لنا- لم تصل بعد إلى الحل الأوسط والذي من شأنه أن يوجد تقارباً بين أطياف الخلاف, لا أزعم أنني أمتلك الحقيقة بما أحمله في جعبتي بقدر ما هي محاولة للوصول إلى نقطة لقاء مشترك. 
القضية التي أشغلت الرأي العام مؤخراً, ألا وهي قضية المجهولين القادمين من القرن الأفريقي, أو كما أسمتهم بعض الجهات ذات العلاقة المتسللين, بعد كل العراكات ما بين التأكيد على خطرهم الكبير ونفيه, وبعد الاطلاع على الكثير من ملابسات الأمر, أرى أن تقوم الدولة بحصرهم, ووضعهم في ما يشبه الملاجئ أو مراكز الإيواء, لأجل ضمان السيطرة عليهم بدلاً من تركهم يهيمون في مختلف الأرجاء, ولا يسلم الأمر من خروجه عن السيطرة حتى لو كان على المستويات الفردية؛ والتي دائماً ما تخلف متضررين من المواطنين, وعلى اختلاف الضرر الواقع ما بين الفادح والبسيط؛ فإنه من الواجب حماية ورعاية الأفراد بما يحقق لهم القدر الكافي من الأمن والشعور به, كما أنه من غير المجدِ نفى القلق الذي يشعره به الأخرون لمجرد القناعة بعدم وجوده, ومن غير المجدِ أيضاً ترك الأمر دون حلول جذرية تضمن القضاء على الظاهرة, كما إنه من الممكن استخدامهم كأيدٍ عاملة, وتسخير تلك القوى لأجل القيام بمشاريع تنموية وخدمية. 
من المهم جداً أن يتم الأخذ برؤى واقتراحات الأخرين, ممن يقدمون حلولاً قد تكون ممكنة إن تم تفعليها, والمهم الأكثر أهمية من ذلك هو أن يفهم المسؤول القريب والمختص بأمرٍ ما أو قضيةٍ راهنة من قضايا الرأي العام, مهمٌ أن يعلم بكيفية التدخل من قبل الأخرين وأنه لا يمثل تطفلاً على اختصاصه كما قد يظن, وإنما ذلك أتٍ من حجم الهم والقلق الذي وصل له, وهو ما يؤدي إلى التحرك الجمعي نحو البحث عن حلٍ ممكن. 

نشر بتاريخ 20-03-2013

رابط المقالة على الصحيفة..

http://albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14882

الثلاثاء، 12 مارس 2013

التدين التعاوني (2-2)



من خلال حديثي عن ظاهرة التدين التعاوني والمتشارك في مقالتي السابقة, أجده مهماً أن أشير إلى أن الظاهرة الدينية المتكاتفة والجماعية غير مرفوضة, وليس ما أرمي له كراهيتها, أو البعد عنها, فهي مظهر جميل وتعبيرٌ موحي, إذا أخذ على أساس صفائه ونقائه.. 
ما أعنيه بالتحديد, أن المبالغة في الوصول لهذه الحشد أو التجمع هو السيء في الأمر, إذ إنه قد يأخذ في مضامينه ويشتمل بين حشوده على حالات تمثل هذا التجميع ولكنها غير حقيقية؛ وكيف أنها غير حقيقية..؟ فهذا يتضح من خلال المظاهر أو المخرجات والنتائج, حيث إن سمة التناقض والشخصيات المزدوجة تطفو على السطح بشكل لافت, إذ ليس من الغريب أن من يأمر بالفضيلة ويمارسها ويحث على ممارستها في الجهر, بل وحتى إنه يشنع على مخالفيه ويهاجمهم بشراسة وضراوة تذهب به في حالات كثيرة حد اللا أخلاقية, ليس من الغريب أن يمارس الرذيلة حتى أدنى مستوياتها في الخفاء, وهذا يدل بوضوح على أن الإيمان لم تخالط بشاشته قلبه, وإنما يسعى لأن يتفق ويتماهى مع المظهر العام ومفاهيم العقل الجمعي التي تفكر وترى وتسمع وحتى تقرر برأي الجماعة.. 
ولضرورة التأكيد على أن الأصل في الإيمان هو القلب, أي أنه الشيء الخفي والمختبئ عن مشهد الأحداث الدائرة أمام الآخرين, وأصل الثواب والعقاب من عند الله-جلَّ في علاه-إنما هو أمرٌ مناط بالنيات والسرائر والتي تدور حولها الإيمانيات, وإنما أصل العلاقة الإيمانية هي نتاج تفاعلي بين العبد وربّه, فالله تعالى يأمر العبد أن يفعل ولا يفعل, والعبد يمتثل للأمر ويطيعه أو يرفضه, ومن خلال هذا التفاعل الخاص تكون علاقة التدين الحقيقي والصادق, وعلى العكس منه تماماً تكون علاقة الرفض والتمرد.. 
إذا فهمنا التدين من خلال زوايا متعددة, وأعدنا النظر إليه كل مرّةٍ من مكان مغاير, فإنه لزاماً علينا أن نكون منصفين, وألا نُصدر أحكاماً القطعية على أساس إيمان (س) من الناس مجازفة؛ لأن هذه علاقته بربه, ولا نمتلك التدخل فيما بين العبد وربه, ومن المهم أننا لا نرفض ونقصي المشهد الآخر الذي يحض على الجماعة, بل نشحذه أن يكون أكثر صدقاً وإيماناً من خلال صدق مجيء الناس إليه وانخراطهم ضمنه.

نشر بتاريخ 06-09-2012

رابط المقالة على الصحيفة:

التدين التعاوني(1-2)




حين نتأمل حالة التدين, ندرك جلياً أن للتدين أشكالاً متعددة, ومن تلك الأشكال التدين التعاوني, هذا النوع من التدين ينبني على أساس التعاون والمشاركة في العلاقات التدينية. 
فمثلاً العلاقات التي أساسها أن تكون فردية ولا تقبل التشارك والتعاون أو حتى المجاهرة, لأجل أن تبقى بين العبد وخالقه, ولأجل أن تكون خالصة النيّة لله وحده, إلا أنها تتخذ أشكالاً تعاونية, كأن ينطلق الوعاظ لأجل الحث على أدائها والتشارك فيها رغبة في تعميما على ما أمكن من أفراد المجتمع, وعلى ذلك يتم سوق الناس إلى طاعاتهم بالإكراه, هذا الأمر ربما يكون جيداً من الناحية الشكلانية, إذ إنه يبين أن الطابع العام المؤطر لهذا(اللفيف) من الناس أو المجتمع ليس إلا طابعاً تدينياً محضاً, ينساق إلى فعل الطاعات على شكل جماعات متتالية في مظهرٍ إيماني أخاذ, ولكننا نُهملُ شيئاً مهماً للغاية, إذ إن التدين الصحيح والحقيقي ينبني على النيّة والتي محلها ومركزها في القلب, والتي تنبني على أساس فرداني غير قابل للتشارك والتعاون, أي أنه أمرٌ غير ظاهر ليتم الحكم عليه, وعلى ذلك فإن من ينساقون في تلك الجماعات لا يمكن بأي حال افتراض الرضى والقبول بذلك الفعل من الجميع وبذات الوتيرة المتوازية والمتساوية والصادقة, أي أنه ليس نابع من الذات والتي تستشعر جماليات الإيمان وروحانياته, فنحن نُدركُ تماماً أن من بين تلك الجماعات من ساقه لفعل الطاعة خوفه من نقد المجتمع ونظرته الإقصائية, وإنما ينخرط في تلك الجماعات, ويمارس أفعال وأشكال الطاعات, خشية أن تقوم الجماعة بممارسة فعل جماعي يرمي به في دائرة الذين تم اقصائهم وتصنيفهم, ولا يتعدى الأمر هنا حين نصفه بأنه مناورة أو مصانعة ومُداهنة للمجتمع, لأجل الالتفاف على تلك القيود التي أطرت المجتمع ووسمته بقيوده الحالية. 
هذا الأمر ليس مؤشراً حقيقياً على حقيقة الإيمان والروحانية في المجتمع, ولا يمكن بأي حال من الأحوال الحكم على المجتمع من خلاله, لأنه لا يعتمد على مؤشرٍ ذو مصداقية حين البحث في اعماق الأفراد ومكنوناتهم الإيمانية, وإنما هو مؤشر شكلي, ومن المهم جداً أن تكون هنالك حلولاً أخرى لتكوين العلاقات بين أفراد المجتمع وتفاعلهم وتعايشهم مع بعضهم البعض, على أن تكون هذه الطرق أو المؤشرات حقيقية وواقعية وغير شمولية, بحيث أنها لا تعتمد على الكل وإنما تعتمد على الفرد والذي هو محور العملية التفاعلية الإيمانية.

نشر بتاريخ 09-08-2012

رابط المقالة على الصحيفة: