السبت، 21 ديسمبر 2013

إخوان السعودية.. ومؤسساتنا "الثقافية"


من المعروف امتداد الفكر الإخواني وخروجه إلى ما وراء مكان النشأة الأولى, استعراض التاريخ يؤكد أن تلك الأفكار تمكنت في مرحلة من المراحل أن تنفذ إلى نفوس الكثير من المسلمين, حتى غدت من أبرز الاحزاب الإسلامية المؤثرة, والقادرة على تشكيل أفكارها وزراعتها بسهولة في عقول الاتباع, ذلك أنها تحاكي الجانب الروحاني لدى الأتباع, وتعزف كثيراً على قضايا الأمة الإسلامية, ومن الطبيعي أن تتغلغل تلك الأفكار في الأذهان التي تهرع إليها بقبولٍ ورضا تامين, وعلى مرّ العقدين الأخيرين أصبحت أفكاراً توّلد القبول والطمأنينة الروحانية..
الأمر الذي لم يتنبه له الأتباع؛ ممن يتلقى تلك الأفكار على أنها محض الصدق وغاية الإيمان, هو أن الحركة مؤسسة على أساس سياسي نفعي وصولي, يهدف إلى الوصول للسلطة والسيطرة على الأماكن ذات الصفة القيادية, حتى تضمن قوتها وقدرتها على الحراك وتحقيق الأهداف بيسر وسهولة.
  خلال تلك المرحلة, والممتدة على مدى ثمانية عقود, كان المثقف العربي هو المدرك الوحيد للفكرة, وقد سعى إلى تفكيك أهدافها وتوضيحها وتقريب فهمها للعامة, الأمر الذي جعل الجماعة تعمل على تصنيف المنتقدين لها والمنظرين لأفكارها ضمن فئة المارقين على الدين وأعداء الله, ولم يلبث التصنيف كثيراً حتى تشربته نفوس الأتباع وآمنت به, وقد اشتد الصراع خلال السنوات الماضية فيما بين المثقف العربي, والذي يعمل على كشف الجانب الخفي الموارب لتوجه الجماعة, مقدماً أعماله في سياقات تدلل على خطورة ما تعتنقه الجماعة من أفكار مقدسة من وجهة نظرها, فيما تفرغ التنظيم الحركي للرد على تلك القراءات التفكيكية تارة باستخدام عصا الدين ووصمها بالمخالفة للشريعة الإسلامية, وتارة عن طريق الجانب الحركي من خلال عمليات حركية تهدف إلى إيصال فكرة عامة عن قوتهم, وما يتمتعون به من بسالة تأخذ بالقوة ما لم يأتِ عن طريق محاكاة القلوب واستمالتها؛ حتى يفهم المخالف أن التنظيم يمتلك قوى وأجندات حركية تؤدي دور المنفذ على الأرض, مع إيهام الأتباع بأن تلك الأفعال الحركية إنما هي حربا ضروس ضد أعداء الدين ومريدي الإسلام بالسوء.
ومع تطاول السنين لم تتمكن الجماعة من مواربة أهدافها الخفية, وأدى ذلك إلى افتضاح الأمر نتيجةً لتنوع وسائل التلقي وبخاصة الثورة المعلوماتية وعصر الأنترنت, مما أدى إلى بداية تشكل وعي جماهيري مختلف, قادر على التفكير باستقلالية تامة, نتيجة لذلك بدت تطفو على السطح شرارة الثورة على من كان يمارس التفكير للآخرين بالإنابة, الأمر الذي أضحى يشكلُ خطراً حقيقياً على وجود الحركة, ذلك أن الأتباع في تناقص مستمر, والعقول تتحرك وتخلق الأسئلة وبخاصة أتباع الأمس, ممن كانت تؤمن بفكر الجماعة, وغدت تعمل على توجيه القراءات النقدية للجماعة من الداخل, ذلك أنها تتذكر جيداً كل الإملاءات التي تلقتها زمن الإيمان الماضي, وتعرف تماماً السرّ الذي يعمل على ترويج وتوجيه الرأي الجماهيري, والقدرة على تشكيله كوعي وترسيخه وفق متطلبات المرحلة.
ولأن المؤسسات الثقافية التي ينضوي تحتها المثقفون, هي الفاعل والمحرك من خلال من ينتمي إليها ويستظلها ممن اشتغل منذ وقتٍ مبكر على إفساد المشروع؛ فإنه من المهم لدى الجماعة الالتفات إلى المعيق الأبرز على الطريق, وبدهياً أن تشكل المؤسسات الثقافية هدفاً مرحلياً قادماً بوصفها المختلف الواضح, يظهر ذلك من خلال ما يبدو بالتخطيط المنظم أو الترتيب المسبق,­ إذ إن قراءة بسيطة لمستجدات الأحداث كفيلة بتسليط الضوء على انضمام الجماعة إلى المؤسسات الثقافية, وبخاصة مع بداية انطلاق التجربة الانتخابية الجديدة لأبرز المؤسسات الثقافية السعودية "الأندية الأدبية" كمثال, والدخول في جمعياتها العمومية عن طريق تحريك من تبقى من الأتباع المضمونين ولاءً والمؤمنين بأهداف الجماعة, العاملين على تحويل التنظيرات إلى أفعال محسوسة, ممن لازالوا يصادقون على فجور الآخر ومروقه على الله والدين, من خلال ذلك يتم الالتفاف على الابن العاق وضمان بقائه تحت السيطرة, وبالتالي القضاء على الدور التنويري للمؤسسة الثقافية, واحتواء أفكارها وتوجيهها في اتجاه لا يفسد الهدف السامي للجماعة, وكأقل الضررين "إن لم يكن التوجه الثقافي مؤازراً لمشروعهم, فإن السيطرة على المؤسسات الراعية للفعل الثقافي سيضمن تحييدها, والمهم هو قمع وإسكات المثقف وخفت صوته داخلها", وبذلك يتم القضاء على الخطر المقوض لتطلعات الجماعة, والعامل الأهم في تفكيك الفكر الناتج عنهم, من خلال ما تشكله أعمالهم وقراءاتهم النقدية والفكرية على وجود الجماعة فضلاً عن تبني أفكارها.
ما شكله المشهد من إقبال الجماعة على المؤسسات الثقافية بعد عزوفهم عنها دهراً طويلاً, وتلك الحالة التي أظهرت المشهد مشوهاً؛ كل ذلك يشير إلى أن تدخلاً (ما) عمل على حبكة السيناريو حتى يبدو غوغائياُ موغلاً في العبثية, ومن ثم تحويل المثقفين المنتمين إلى تلك المؤسسات إلى مجرد أفراد متناحرين ومنشغلين بتقييم الإجراء الجديد في تاريخ المؤسسة الثقافية "انتخابات الأندية الأدبية", هذا الأمر الذي يصور المثقف أمام الوعي الجماهيري على أنه مجرد باحث عن الأضواء, لاهث وراء الكرسي, أرعن لا يجيد التحكم في ضبط انفعالاته, بحيث يصبح من السهل أمام الجماعة تعزيز إقصاء المثقف وتكريس عزلته, عن طريق إثارة سؤال كبير أمام الجماهير, وتقريبه وتبسيطه إلى الذهنية الجماهيرية, واستثمار التجربة السابقة للتأثير على العقل الجمعي, بطريقة الزج بسؤالٍ عريض كناتج طبيعي وحتمي لدى الذهنية الشعبوية, حتى يتم استشفاف السؤال المهم..! عن كيفية منح الثقة والاهتمام بما يقوله ذلك المثقف وهو لم يستطع الخروج من أزمته أو ضبط انفعالاته, بل إنه بمجرد وضعه على محك الديموقراطية وممارسته لفعل الانتخابات بدا مهترئاً أمام الجميع, وظهر أنه غير قادر على التفكير لنفسه فضلاً عن تفكيره للآخرين وتشكيل وعيهم, وبدت أفكاره التي يدعي أنها تنويرية لا تخرج عن إطار العبث والبعثرة للمجتمع المتماسك, الذي بنى نفسه على أساس إسلامي قويم, يستمد أفكاره وكل حراكه من التوجيه الإلهي, ومن جديد الاستفادة من التأكيد على معية الخالق.

أمام هذا الحراك الجديد, يتم تعزيز الفصل ما بين المثقف والمجتمع, ووضعه في مكانٍ قصي بعيد عن المشهد, مما يتيح للتنظيم استغلال المساحة وملء الفراغ "بتكتيكية مرحلية"..


نشر في صحيفة الحياة بتاريخ 27 / 8 / 2013


رابط المقالة على الصحيفة..

http://alhayat.com/OpinionsDetails/545526





الجمعة، 3 مايو 2013

إلا عسير لا تُعلِق الدراسة


طالعتنا هذا الأسبوع الأحوال الجوية ببشائر الخير والبركة وهطول الأمطار, ذلك الأمر الذي دعا مناطق نزولها إلى تعليق الدراسة, ملتزمين في ذلك بما يصدر من تحذيرات الأرصاد الجوية, وقد بادرت الوزارة إلى منح تلك الصلاحية لمدراء التعليم حرصاً على سلامة وأمن أبنائنا الطلاب.

وتزامناً مع هذا الحدث بدأت مواقع التواصل بالتعليق على هذا الخبر, ولعل أطرف وأصدق تلك التعليقات التي قرأتها, هو ذلك الذي يقول فيه كاتبه: "ندعوا الله أن يسقينا الغيث وينزل علينا المطر, فإذا جاءنا الخير؛ تم تعليق الدراسة بسبب سوء الأحوال الجوية, والحقيقة أنه بسبب سوء البنية التحتية", وأظن هذه العبارة تختصر كثيراً مما يمكن أن يقال في هذا المقام, فالدول التي تعيش أغلب أيام السنة ما بين الأمطار والثلوج لا تتوقف فيها الدراسة؛ لأن بنيتها التحتية مصممة لتحمل ما نسميه عندنا سوءً للأحوال الجوية, وفق دراسات حقيقية, ومنفذين لا يهمهم إلا مصلحة بلدانهم.
المهم يا سادة حدث ما حدث, وعلق من علق الدراسة, إلا إن تعليم عسير لم يفعل ذلك برغم التحذيرات التي تم إطلاقها, ذلك الأمر الذي جعل طالبات المدارس وطلبتها يأخذون حماماً تحت المطر أثناء عودتهم من المدرسة, إذ إن المطر عادةً في عسير لا يهطل إلا في وقت الظهيرة, وهو الوقت المعلوم لعودة الأبناء من مدارسهم, صحيح أن اليوم يبدأ صحواً كعادته, لكنه ما يلبث أن تتجمع غيومه وتهطل أمطاره الغزيرة في لمح البصر, وقد شهدت وصورت مناظر لطالبات وطلاب من أطفال المرحلة الابتدائية يكابدون حمل حقائبهم المدرسية تحت وابل المطر وقد انهكتهم زخاته المتزايدة, منظرٌ لا أظن أحداً يحتمل رؤيته فضلاً عن أبٍ أو أمٍ يريان صغارهم في تلك الحال السيئة, وكل ذلك يأتِ بسبب سوء التقدير ممن كان خليقاً بهم أن يجعلوا أمن وسلامة الطلبة أولى أولوياتهم, مستلهمين أمامهم تضاريس منطقتهم المتنوعة والمتباينة, ما بين السهل والجبل والوادي الذي سيصبح خطراً كبيراً في حال جريانه, ومروره بالأماكن المأهولة بالناس والمدارس, ومعلومٌ في أودية عسير السحيقة أنه قد يأتِ سيلٌ يكُظُ جنباتها دون سابق انذار أو حتى هطولٍ للمطر, وهو ما أسماه الدفاع المدني أثناء إطلاقه للتحذيرات بمصطلح "السيول المنقولة".
لا بد لساسة التعليم في عسير, وصناع قراره, أن يقتربوا من هموم الناس, ويدركوا مخاوفهم على فلذات أكبادهم, عن طريق الفهم والدراية بمناخ المكان, وظروفه المتغيرة بسرعة, والمختلفة عن الغير, حتى يتمكنوا من صياغة وصناعة قرارٍ يجنب الأبناء مخاطر غير محمودة إن هم أحكموا إصرارهم على قناعاتهم ولا سواها, سلَّم الله الجميع..



نشر بتاريخ 02-05-2013


رابط المقالة على الصحيفة..

http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=15251





الاثنين، 25 مارس 2013

الحلولُ المُمكِنةُ


أقول ممكنة لأنه من الممكن التعاطي معها وإخضاعها للتجربة لتكون على محك اختبار حقيقي, ومن ثم إصدار الأحكام عليها, بعد معاينة النتائج, ولأن بعضاً من قضايا الساعة -والتي مازالت شاغلاً لنا- لم تصل بعد إلى الحل الأوسط والذي من شأنه أن يوجد تقارباً بين أطياف الخلاف, لا أزعم أنني أمتلك الحقيقة بما أحمله في جعبتي بقدر ما هي محاولة للوصول إلى نقطة لقاء مشترك. 
القضية التي أشغلت الرأي العام مؤخراً, ألا وهي قضية المجهولين القادمين من القرن الأفريقي, أو كما أسمتهم بعض الجهات ذات العلاقة المتسللين, بعد كل العراكات ما بين التأكيد على خطرهم الكبير ونفيه, وبعد الاطلاع على الكثير من ملابسات الأمر, أرى أن تقوم الدولة بحصرهم, ووضعهم في ما يشبه الملاجئ أو مراكز الإيواء, لأجل ضمان السيطرة عليهم بدلاً من تركهم يهيمون في مختلف الأرجاء, ولا يسلم الأمر من خروجه عن السيطرة حتى لو كان على المستويات الفردية؛ والتي دائماً ما تخلف متضررين من المواطنين, وعلى اختلاف الضرر الواقع ما بين الفادح والبسيط؛ فإنه من الواجب حماية ورعاية الأفراد بما يحقق لهم القدر الكافي من الأمن والشعور به, كما أنه من غير المجدِ نفى القلق الذي يشعره به الأخرون لمجرد القناعة بعدم وجوده, ومن غير المجدِ أيضاً ترك الأمر دون حلول جذرية تضمن القضاء على الظاهرة, كما إنه من الممكن استخدامهم كأيدٍ عاملة, وتسخير تلك القوى لأجل القيام بمشاريع تنموية وخدمية. 
من المهم جداً أن يتم الأخذ برؤى واقتراحات الأخرين, ممن يقدمون حلولاً قد تكون ممكنة إن تم تفعليها, والمهم الأكثر أهمية من ذلك هو أن يفهم المسؤول القريب والمختص بأمرٍ ما أو قضيةٍ راهنة من قضايا الرأي العام, مهمٌ أن يعلم بكيفية التدخل من قبل الأخرين وأنه لا يمثل تطفلاً على اختصاصه كما قد يظن, وإنما ذلك أتٍ من حجم الهم والقلق الذي وصل له, وهو ما يؤدي إلى التحرك الجمعي نحو البحث عن حلٍ ممكن. 

نشر بتاريخ 20-03-2013

رابط المقالة على الصحيفة..

http://albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14882

الثلاثاء، 12 مارس 2013

التدين التعاوني (2-2)



من خلال حديثي عن ظاهرة التدين التعاوني والمتشارك في مقالتي السابقة, أجده مهماً أن أشير إلى أن الظاهرة الدينية المتكاتفة والجماعية غير مرفوضة, وليس ما أرمي له كراهيتها, أو البعد عنها, فهي مظهر جميل وتعبيرٌ موحي, إذا أخذ على أساس صفائه ونقائه.. 
ما أعنيه بالتحديد, أن المبالغة في الوصول لهذه الحشد أو التجمع هو السيء في الأمر, إذ إنه قد يأخذ في مضامينه ويشتمل بين حشوده على حالات تمثل هذا التجميع ولكنها غير حقيقية؛ وكيف أنها غير حقيقية..؟ فهذا يتضح من خلال المظاهر أو المخرجات والنتائج, حيث إن سمة التناقض والشخصيات المزدوجة تطفو على السطح بشكل لافت, إذ ليس من الغريب أن من يأمر بالفضيلة ويمارسها ويحث على ممارستها في الجهر, بل وحتى إنه يشنع على مخالفيه ويهاجمهم بشراسة وضراوة تذهب به في حالات كثيرة حد اللا أخلاقية, ليس من الغريب أن يمارس الرذيلة حتى أدنى مستوياتها في الخفاء, وهذا يدل بوضوح على أن الإيمان لم تخالط بشاشته قلبه, وإنما يسعى لأن يتفق ويتماهى مع المظهر العام ومفاهيم العقل الجمعي التي تفكر وترى وتسمع وحتى تقرر برأي الجماعة.. 
ولضرورة التأكيد على أن الأصل في الإيمان هو القلب, أي أنه الشيء الخفي والمختبئ عن مشهد الأحداث الدائرة أمام الآخرين, وأصل الثواب والعقاب من عند الله-جلَّ في علاه-إنما هو أمرٌ مناط بالنيات والسرائر والتي تدور حولها الإيمانيات, وإنما أصل العلاقة الإيمانية هي نتاج تفاعلي بين العبد وربّه, فالله تعالى يأمر العبد أن يفعل ولا يفعل, والعبد يمتثل للأمر ويطيعه أو يرفضه, ومن خلال هذا التفاعل الخاص تكون علاقة التدين الحقيقي والصادق, وعلى العكس منه تماماً تكون علاقة الرفض والتمرد.. 
إذا فهمنا التدين من خلال زوايا متعددة, وأعدنا النظر إليه كل مرّةٍ من مكان مغاير, فإنه لزاماً علينا أن نكون منصفين, وألا نُصدر أحكاماً القطعية على أساس إيمان (س) من الناس مجازفة؛ لأن هذه علاقته بربه, ولا نمتلك التدخل فيما بين العبد وربه, ومن المهم أننا لا نرفض ونقصي المشهد الآخر الذي يحض على الجماعة, بل نشحذه أن يكون أكثر صدقاً وإيماناً من خلال صدق مجيء الناس إليه وانخراطهم ضمنه.

نشر بتاريخ 06-09-2012

رابط المقالة على الصحيفة:

التدين التعاوني(1-2)




حين نتأمل حالة التدين, ندرك جلياً أن للتدين أشكالاً متعددة, ومن تلك الأشكال التدين التعاوني, هذا النوع من التدين ينبني على أساس التعاون والمشاركة في العلاقات التدينية. 
فمثلاً العلاقات التي أساسها أن تكون فردية ولا تقبل التشارك والتعاون أو حتى المجاهرة, لأجل أن تبقى بين العبد وخالقه, ولأجل أن تكون خالصة النيّة لله وحده, إلا أنها تتخذ أشكالاً تعاونية, كأن ينطلق الوعاظ لأجل الحث على أدائها والتشارك فيها رغبة في تعميما على ما أمكن من أفراد المجتمع, وعلى ذلك يتم سوق الناس إلى طاعاتهم بالإكراه, هذا الأمر ربما يكون جيداً من الناحية الشكلانية, إذ إنه يبين أن الطابع العام المؤطر لهذا(اللفيف) من الناس أو المجتمع ليس إلا طابعاً تدينياً محضاً, ينساق إلى فعل الطاعات على شكل جماعات متتالية في مظهرٍ إيماني أخاذ, ولكننا نُهملُ شيئاً مهماً للغاية, إذ إن التدين الصحيح والحقيقي ينبني على النيّة والتي محلها ومركزها في القلب, والتي تنبني على أساس فرداني غير قابل للتشارك والتعاون, أي أنه أمرٌ غير ظاهر ليتم الحكم عليه, وعلى ذلك فإن من ينساقون في تلك الجماعات لا يمكن بأي حال افتراض الرضى والقبول بذلك الفعل من الجميع وبذات الوتيرة المتوازية والمتساوية والصادقة, أي أنه ليس نابع من الذات والتي تستشعر جماليات الإيمان وروحانياته, فنحن نُدركُ تماماً أن من بين تلك الجماعات من ساقه لفعل الطاعة خوفه من نقد المجتمع ونظرته الإقصائية, وإنما ينخرط في تلك الجماعات, ويمارس أفعال وأشكال الطاعات, خشية أن تقوم الجماعة بممارسة فعل جماعي يرمي به في دائرة الذين تم اقصائهم وتصنيفهم, ولا يتعدى الأمر هنا حين نصفه بأنه مناورة أو مصانعة ومُداهنة للمجتمع, لأجل الالتفاف على تلك القيود التي أطرت المجتمع ووسمته بقيوده الحالية. 
هذا الأمر ليس مؤشراً حقيقياً على حقيقة الإيمان والروحانية في المجتمع, ولا يمكن بأي حال من الأحوال الحكم على المجتمع من خلاله, لأنه لا يعتمد على مؤشرٍ ذو مصداقية حين البحث في اعماق الأفراد ومكنوناتهم الإيمانية, وإنما هو مؤشر شكلي, ومن المهم جداً أن تكون هنالك حلولاً أخرى لتكوين العلاقات بين أفراد المجتمع وتفاعلهم وتعايشهم مع بعضهم البعض, على أن تكون هذه الطرق أو المؤشرات حقيقية وواقعية وغير شمولية, بحيث أنها لا تعتمد على الكل وإنما تعتمد على الفرد والذي هو محور العملية التفاعلية الإيمانية.

نشر بتاريخ 09-08-2012

رابط المقالة على الصحيفة:

الخميس، 7 مارس 2013

ما بين معرضين للكتاب



قدمت جامعة جازان خلال الأيام القليلة الماضية دروساً رائعة في حفل افتتاح معرض الكتاب, أرى أنها مفيدةً في توعية الآخرين بكيفية صناعة التطور وبناء المنجز, بهرني حفل الافتتاح والاطلاع على منجزات الجامعة ومراحل نموها, إذ إنني لم أكن أُدركُ اختصاري مسافات من الزمن في لمحة قصيرةٍ.
كلُّ شيء هناك مبهراً حد الإعجاب, إذ برهنت جامعة جازان أنها تقفز للأمام قفزات كبرى لا تعترف خلالها بالمعوقات أو الصعاب, ذلك أن مديرها وكافة طاقمها الإداري والأكاديمي لم يكونوا حريصين على الظهور ولم تفتنهم الفلاشات والأضواء, وتركوا زمام أمور كرنفالهم الاحتفائي وكافة ترتيباته لطالبات وطلاب الجامعة, حتى يثبتوا عملياً وأمام الجميع أنهم على مستوى عالٍ من الإعداد والتهيئة, لم يكن المبهر فقط حفل الافتتاح وفقراته, بل إن الجولة التي قمنا بها على البنية التحتية للجامعة وما تم إنجازه من منشآت, تكشف عن صدقٍ في العمل وإخلاصٍ في التعاطي مع مفهوم التنمية وتهيئة البيئة التعليمية الملائمة والمتطورة, الآخذة بعين اعتبارها أحدث الدراسات التربوية.
بحجم كل شيء شكراً لجامعة جازان على ما تقوم به من تنمية وطنية رائعة, إن ذلك درساً قدمته جامعة جازان الناشئة, وبالمجان للجامعات العريقة الأخرى, وحتى تتقدم أساليب التعاطي مع التطورات التعليمية والتقنية عند البقية, سنبقى نقول لجامعة جازان, أنتِ في المقدمة.
التجربة في جامعة جازان, يجب أن تستفيد منها مؤسسات أخرى وعلى رأسها وزارة الثقافة والإعلام والتي مازالت تكرر نفسها من خلال معرض الكتاب, فمازالت الوجوه نفسها والأفكار القديمة والمعهودة لم تتبدل, وأظنها بحاجة لأن تتعرف على تجربة جامعة جازان في ضخ وتقديم وجوه شابة وجديدة, وتقديمها إلى ساحة العمل العام, وتوليتها القيادة دون شكٍ أو ريبةٍ من قصورٍ ما قد تحدثه مثل تلك الأعمال التقدمية, ودون الاستئثار بالأدوار التي مازال القدماء يعتقدون أنها من تجلب لهم الأضواء.



نشر بتاريخ 07-03-2013
http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14773

أهذا منجزكم يا أمننا..! / المتسللون وأمن الوطن


أهذا منجزكم يا أمننا..!

كتبت في الأسبوع الماضي عن خطر المواطنين غير الشرعيين, الموضوع الأشد قلقاً في جنوبنا هذه الأيام, ولا أعلم أن الحكومة والأمن إلى الآن لم تستشعر ذلك الخطر, أو على الأقل تعلم من خلال مجساتها عن الرعب الذي يشكله في نفوس المواطنين, والذين يتطلعون إلى حصولهم على حقهم في الأمن.
تداول الناس خلال اليومين الماضيين رسائل عبر وسائل الاتصالات مفادها تحذيرات من خطر هذه الفئة, وكانت الرسالة موجهةً من إمارة المنطقة, ذلك الأمر الذي استدعى الناطق الإعلامي بإمارة المنطقة إلى الخروج عن الصمت ونفي تلك التحذيرات, ونفض يد الإمارة في عسير عما ورد فيها, صمت ناطق الإمارة عن الإشارة إلى خطرهم, وتوتر الأمر دعا المواطنين ممن تضرروا إلى الخروج بأنفسهم وإلقاء القبض على هؤلاء المقتحمين أمنهم وأوطانهم, الخطير في الأمر هنا أن المواطن حينما نفض يده من أي تحركٍ رسمي؛ توجه بنفسه لملاقاة مصيره, وقد تكون النتائج غير محمودة أو قد تصل إلى الحد الذي ينتهك القوانين ويحدث الفوضى, وعلى الأمن أن يتحرك بنفسه بدلاً من نفي ما آلت إليه الأمور, كما أنه من الواجب ملاحقة المواطنين الذين يتعاونون معهم وتقديمهم للعدالة.
في البداية كتبنا عن المواطنين غير الشرعيين؛ فوجهوا قوات الأمن للقبض على المقيمين النظاميين مع وجود مخالفة في نظام العمل, وحينما كتبنا عن الحالة, استنفرت قوات الأمن في الأسبوع الماضي, وشكلت نقاط تفتيش في جميع أرجاء مدينة أبها, ولكنها لم تستهدف "الخطر الداهم", فهي موجهة هذه المرة ضد المواطنين –والله المستعان- ممن توجد لديهم مخالفات في أوراقهم الثبوتية وأوراق مركباتهم.


نشر بتاريخ 27-02-2013


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14705

.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد أن تدخل مقص الرقيب, تم نشره كالتالي:

المتسللون وأمن الوطن

كتبت في الأسبوع الماضي عن خطر المواطنين غير الشرعيين, الموضوع الأشد قلقاً في جنوبنا هذه الأيام.وقد تداول الناس خلال اليومين الماضيين رسائل عبر وسائل الاتصالات مفادها تحذيرات من خطر هذه الفئة, وكانت الرسالة موجهةً من إمارة المنطقة, ذلك الأمر الذي استدعى الناطق الإعلامي بإمارة المنطقة إلى الخروج عن الصمت ونفي تلك التحذيرات, ونفض يد الإمارة في عسير عما ورد فيها, صمت ناطق الإمارة عن الإشارة إلى خطرهم وقد توتر الأمر حيث دعا المواطنين ممن تضرروا إلى الخروج بأنفسهم وإلقاء القبض على هؤلاء المقتحمين أمنهم وأوطانهم, والخطير في الأمر هنا أن المواطن حينما نفض يده من أي تحركٍ رسمي؛ توجه بنفسه لملاقاة مصيره, وقد تكون النتائج غير محمودة أو تصل إلى الحد الذي ينتهك القوانين ويحدث الفوضى, وعلى الأمن أن يتحرك بنفسه بدلاً من نفي ما آلت إليه الأمور.
في البداية كتبنا عن المواطنين غير الشرعيين؛ فوجهوا قوات الأمن للقبض على المقيمين النظاميين مع وجود مخالفة في نظام العمل, وحينما كتبنا عن الحالة, استنفرت قوات الأمن في الأسبوع الماضي, وشكلت نقاط تفتيش في جميع أرجاء مدينة أبها, ولكنها لم تستهدف "الخطر الداهم", فهي موجهة هذه المرة ضد ممن توجد لديهم مخالفات في أوراقهم الثبوتية وأوراق مركباتهم.

الخميس، 28 فبراير 2013

حديث التاريخ.. إيضاحات تاريخية هامة..



تسلل هؤلاء الافارقه لم يكن مستغربا فقد حدث قبل حوالي مئه وثلاثين عاما او اكثر وهو ما يعرف (حرب الصَومل)لأن اهل عسير اعتقدوا ان الغزاه من الصومال فقط وهم لفيف من القرن الأفريقي جلبوهم الأدارسه لنشر مذهبهم وانتقاما لنشر واحياء العقيده الصحيحه التي احيتها الدولة السعوديه في احدى مراحلها وانتدبت قادة من عسير منهم من قُتل في صبيا اثناء الجهاد(محمد بن عامرالمتحمي) ومنهم من واصل حتى النصر بقيادة (طامي بن شعيب المتحمي)  وبعد ان توالت حملات الاتراك على الدرعيه وعسير اراد الادارسه وهم من اصول افريقيه معاودة غزوعسير فيما سمي(حرب الصومل) وهناك قصائد قيلت لايتسع المجال لذكرها اجتاحت تلك الحملات رجال المع وصعدت عن طرق العقيب الى السراه وكان العدد الاكبر عن طريق  الصماء وتصدت لهم قبائل عسير في باحة ربيعه وفي جبل تهلل وحصلت مقتلة عظيمه في صفوف الغزاه ووصلت بشائر النصر الى الدرعيه العاصمه السياسيه ولايستبعد والله اعلم ان هناك صله بين الصفويين والادارسه وخاصة اذا قارنا مايحدث من تسهيل عبور الافارقه من قبل ايران عن طريق الدعم المادي والسلاح واذنابهم من الحوثيين مع ماحدث في تلك الفتره.    
~باحث تاريخي~
..........................
اطلعت على رسالة (الواتس آب) السابقة, والتي تم تداولها خلال الأيام الماضية, وقد ذيلت الرسالة باسم "باحث تاريخي" وأظنه منشئ الرسالة..
تضمنت الرسالة أخطاءً تاريخية وضعها الكاتب في رسالته, وعلى ذلك وجب التوضيح, والله ولي التوفيق..
أقولُ مستعيناً بالله, متوكلاً عليه:
أولاً:
ورد في الرسالة (تسلل هؤلاء الافارقه لم يكن مستغربا فقد حدث قبل حوالي مئه وثلاثين عاما او اكثر وهومايعرف (حرب الصَومل)لأن اهل عسير اعتقدوا ان الغزاه من الصومال فقط وهم لفيف من القرن الأفريقي جلبوهم الأدارسه لنشر مذهبهم وانتقاما لنشر واحياء العقيده الصحيحه)
إننا حينما نستقرئ التاريخ نجد أن الكاتب يعني حدود العام1304هـ, أو حواليه كما أشار الكاتب في تقريبه الزماني, ففي تلك الفترة من الزمن كانت تقع عسير تحت وطأة الاستعمار العثماني(التركي) والذي استمر منذ مقتل ملك عسير محمد بن عايض عام 1289هـ وحتى إجلاء الترك عن عسير عام 1335هـ وتسليم الحكم العسكري  والقيادة فيها للأمير حسن بن علي بن عايض, بعد أن كان الحاكم المدني والزعيم الروحي للعسيريين في تلك الأثناء.
 وبناءً عليه فإننا نجد الفترة الزمنية تدل على أن السيطرة على عسير في تلك الفترة للعثمانيين, والتي كانت تُمثل سيطرة عسكرية فقط, أما الناس في عسير فقد استمر ولاؤهم لأمراء آل عايض الباقين في عسير, بعد أن قتل من قتل في معركة ريدة عام 1289هـ واُسر من أُسر وتم إرساله للمنفى.
كما أن تلك الفئة من البشر لم تكن من المتسللين وإنما هم الممثل الحقيقي والمكون لجيش الإدريسي, وهم من المرتزقة الصوماليين الذين كانوا يشكلون غالبية جيش الإدريسي آن ذاك.
  كان الهدف من تلك الحملة مباغتة العسيريين من الخلف بينما ينتظرون صعود تلك الجيوش من الجهة الجنوبية لأبها(وادي ضلع), وتعتبر تلك المرة الوحيدة التي تمكن فيها الإدريسي وجيوشه من بلوغ سراة عسير.
كان الإدريسي يطمع في توسيع نفوذه وضم عسير تحت لوائه, في تلك الفترة كان يتلقى دعماً بريطانياً بعد أن تسلمت ملف دعمه بريطانيا بدلاً من الإيطاليين, وعلى ذلك لم يكن الهدف من ذلك نشر المذهب لأجل الانتقام من إحياء العقيدة الصحيحة كما ورد في الرسالة.

ثانياً:
ورد في الرسالة (التي احيتها الدولة السعوديه في احدى مراحلها وانتدبت قادة من عسير منهم من قُتل في صبيا اثناء الجهاد(محمد بن عامرالمتحمي) ومنهم من واصل حتى النصر بقيادة (طامي بن شعيب المتحمي)  وبعد ان توالت حملات الاتراك على الدرعيه وعسير اراد الادارسه وهم من اصول افريقيه معاودة غزوعسير فيما سمي(حرب الصومل)...)
هذا الكلام غير صحيح, حيثُ إن العقيدة في بلاد عسير لم تكن غير صحيحة في أيٍ من عصورها منذ أن دخلها الإسلام بعد مبايعة الأزديين للرسول الكريم بقيادة صرد بن عبد الله الأزدي, ولم تكن حملة محمد بن عامر المتحمي وطامي بن شعيب التي وفدت إلى عسير بمؤازرة الجيوش السعودية, لم تكن تلك الحملة بهدف نشر الدين وتصحيح العقيدة, ولم يكن محمد بن عامر وطامي بن شعيب دعاة دين, وإنما كانا قائدين عسكريين اعتمدت عليهما الدولة السعودية الأولى في ضم عسير إليها, وهو ما تم بالفعل بعد مقتل الأمير العسيري محمد بن أحمد اليزيدي نحو العام 1215هـ, ومن ذلك الحين سقطت المقاومة العسيرية وتسلم زمام الأمور السعوديون حيث كان من يمثلهم في عسير محمد بن عامر وطامي بن شعيب.

ثالثاً:
ورد في الرسالة (وهناك قصائد قيلت لايتسع المجال لذكرها اجتاحت تلك الحملات رجال المع وصعدت عن طرق العقيب الى السراه وكان العدد الاكبر عن طريق  الصماء  وتصدت لهم قبائل عسير في باحة ربيعه وفي جبل تهلل وحصلت مقتلة عظيمه في صفوف الغزاه ووصلت بشائر النصر الى الدرعيه العاصمه السياسيه)
سياق الكاتب التاريخي في هذه الجملة صحيح وسليم عدا أخرها, فلم تكن الدرعية عاصمةً سياسية في تلك الأثناء, وإنما الحادثة وقعت أثناء حكم حسن بن علي بن عايض حكماً مستقلاً لدولة عسير, وكان قد نودي بحسن بن علي بن عايض ملكاً على عسير في تلك الفترة, وقد حدثت الغزوة أثناء محاولات الإدريسي السيطرة على عسير وتوسيع حكمه حينما أغراه الدعم البريطاني الذي كان يحصل عليه, وفي الحقيقة كانت تستخدمه كرتاً تلعب به كما تشاء, بدليل إقصائه بعد أن انتهى دوره, وهو ما دعا بعض المؤرخين إلى وصمه ببعض الأوصاف الغير جيدة على إثر استخدام المؤثرين على المشهد السياسي آن ذاك للإدريسي منفّذاً للأجندات التي يريدونها دونما علمٍ من قبله بما يُحاك ويُخطط له.

من القصائد التي قيلت في تلك الفترة, والتي أشار إليها الكاتب، قصيدة شعبية من تراث العسيريين, وهذا جانب منها:

باحة ربية للتهايمِ..
مِجْزارة الصومالِ والجيوشْ..

كذلك هذا الجزء من قصيدة اعتذارية لقبيلة علكم حين تأخرها عن الجيوش العسيرية المجتمعة عند آل امسعلي, والتي تتأهب لملاقاة الغزاة في باحة ربيعة, فيقول الشاعر العلكمي في شكل اللون الشعبي المعروف (الدمة):

ولو ثقلنا نجمنا الزحْلِ..
قبيلةٍ تصبرْ على القتلِ..
وأصلكْ ترى العاملْ ومزرعهْ..

أي أننا لو تأخرنا, فنحن قبيلة تبلي بلاءً حسناً في ميادين القتال ونقدر على تحمل صِعابها, وسوف ترى حتماً نتيجة قتالنا وما سنفعله.



رابعاً:
ورد في الرسالة(ولايستبعد والله اعلم ان هناك صله بين الصفويين والادارسه وخاصة اذا قارنا مايحدث من تسهيل عبور الافارقه من قبل ايران عن طريق الدعم المادي والسلاح واذنابهم من الحوثيين مع ماحدث في تلك الفتره.)
وهذا القول يفتقر للدليل المادي أو المنطق العقلاني؛ لأن المقارنة على هذا النحو أظن الكاتب لم يوفق فيها, هذا من ناحية العلاقة بين الصفويين والأدارسة, أما الحديث عن اليد الإيرانية المندسة, فإنما اعتمد فيه الكاتب على تحليلات بعض المستقرئين للسياسة الحديثة والمعاصرة في هذه الأيام, والتي تشير إلى علاقة إيرن بالحوثيين عن طريق الدعم والمساندة.
كتبه /
محمد طالع
الجمعة 19 / 4 / 1434 هـ

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

الخطر الداهم


حديثي اليوم عن الخطر الداهم, وأقول الداهم لأن المفردة هُنا تعني الذي بدأ في الوقوع, ولم أقل القادم لأنه لم يعد في طور القدوم ومن الممكن أن يقع كما إنه من الممكن عدم وقوعه, وبما إنه أصبح وأقعاً ملموساً فهذا يعني أنه لزاماً علينا التصدي له والوقوف في وجهه بصدق.
مجهولي الهوية من ذوي البشرة السوداء, الذين تختلف الآراء حول نسبتهم إلى أثيوبيا أم أرتيريا أم الصومال, هذا ليس المهم, المهم في الأمر أن الآراء تجمع على كونهم مواطنين غير شرعيين تسللوا عن طريق الحدود اليمنية السعودية عبوراً إلى الأجزاء الجنوبية من السعودية وأحكموا التمترس بها, هذه الطائفة من البشر تمتهن عدة أعمال غير مشروعة تحدثت عنها وسائل الإعلام بإسهاب, ومنها ما عرضه المذيع الرائع صلاح الغيدان عبر قناة لاين سبورت, من أهم أعمالهم صناعة وترويج المشروبات المسكرة الملوثة والتي تعتبر سموماً قاتلة لمتعاطيها وتمتهن كذلك الدعارة إلى جانب السرقات, كل ما تقدم قضايا جنائية لم تصل للحد الذين يمكن أن يقال عليه أمن دولة.
الجديد في الأمر الذي أنوي الحديث عنه أنها بلغت الخطر الذي يمكن تسميته أمن دولة, وأعرض الأسباب التي تدعم زعمي هذا, ويتضح ذلك من خلال التحركات المريبة التي تقوم بها هذه الفئة من البشر.
في الأيام القليلة الماضية تعرضت إحدى القرى القريبة من مدينة أبها إلى محاولات اقتحام للمنازل من تلك الفئة, والجديد في الأمر أن ساكنيها بداخلها ويحكي لي من تم التعدي على منازلهم, أن هؤلاء البشر كانوا يحاولون دخول البيوت على ساكنيها, يطرقون أبوابها بشدة وبشكلٍ مفزع, هذا الفعل لا يُفهم على أنه نيةً للسرقة, فالسارق لا يقتحم البيوت في حال وجود أهلها وبالقوة, إضافة إلى أنني التقيت بأخرين من تلك النواحي, يقولون بأنهم نقلوا أسرهم من تلك القرى -التي تقع على مرمى حجر من قلب مدينة أبها- إلى داخل المدينة, حيث أن الأمن أصبح معدوماً في القرية, ذهبت أستطلع الأمر ووجدت أن الأماكن التي يتحصنون بها تشكل ما يسمى في مصطلح المعارك "الكماشة", وهم يُحكمونها حول مدينة أبها, ويصنعون لهم ما يشبه المخابئ أو أماكن التخزين, مستفيدين في ذلك من الطبيعة الجبلية والتضاريس الملائمة, إضافة إلى إنهم وكما حدثني بعض الأهالي يحملون كميات من السلاح تفوق ما يمكن اعتباره متاجرةً بغية الكسب, إذ إنها توحي باستعدادهم لخوض حرب وشيكة, هذين السببين لوحدهما يكفيان لفهم الأمر على سوء النية لا حُسنها, لماذا يقتحمون القرى بهذه الطريقة المفزعة..!! ولماذا يتسلحون بذلك الشكل المريب..؟!
الأمر الآخر أنني اطلعت على تحقيقاً صحفياً نشرته صحيفة فيفا نيوز الإلكترونية, أجرت خلاله أحاديث صحافية مع هذه الطائفة أثناء عبورهم للحدود, تحدثوا فيها عن أهداف قدومهم المرتب لها سلفاً, كما أوحى التقرير بتدريبهم على القتال وبخاصةٍ ما يسمى حروب العصابات ومعارك الشوارع.
تناولت الأمر على حسابي في تويتر, ويبدو أن الحس الأمني لم يُدرك ما أعنيه من خطرٍ داهم, وأتمنى أن تعي حديثي كل الجهات المسؤولة عن أمن وحماية الدولة من الداخلية وغيرها, من خلال هذا الوعي يمكنها أن تستشعر الخطر وتتعامل معه وفق ما يقتضيه الحال.

ألا هل بلغت... اللهم أشهد..



نشر بتاريخ 20-02-2013


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14648

الجمعة، 18 يناير 2013

أدلجة التوجس


من أكثر المعضلات التي تقف في وجه تنمية وتطور المجتمعات فكرياً وثقافياً ما يوصف بالأدلجة, بل إن أشدها حينما يصبح التوجس مؤدلجاً, وتظهر بقوة عقول متوجسة تتسم بالحذر والتشكيك في كل ما حولها.
إذ أنه على مستويات متنوعة في كل ما حولنا لا تخلو حياتنا اليومية من رصد ممارسات متوجسة وحذرة, في كثيرٍ من الأحيان تكون هذه الممارسات غير مبررة وتدعو للتفكير والتوقف للبحث حول مسبباتها والتي غالباً لا تنتهي إلى نتائج مبررة, لكن التساؤل: مما التوجس؟ ولماذا الحذر؟
تأتي الإجابة على هذه التساؤلات لتضفي مزيداً من الحيرة والتساؤل, إذ أن العقل لا يصل لنتيجة مقنعة تشبع تلك التساؤلات المثخنة, القليل من تلك العقول المتسائلة ينتهي لشيءٍ خفي يفسر ممارسات الحذر والتوجس, هذه الممارسات التي طبعها وقام على تغذيتها المجتمع المتوجس, إذ أنه يطبع أفراده بصفة الخوف والتوجس والحذر من الغير بشكل أو بآخر حتى تتسم ممارسات المجتمع بتلك السمات.
في تلك البيئة المجتمعات تمارس التوجس والحذر من أي فرد جديد ينظم إلى تكويناتها, ذلك الحذر والتوجس ليس وليد اللحظة أو أنه أمراً طبيعياً, فله مسبباته التي بالضرورة ساعدت على تكريسه, ومنها على سبيل المثال سمات المجتمع الرئيسية والتي تمت أدلجتها لممارسة هذا النوع من التوجس في وقت غياب تام لقدرتها على التفكير والتحليل, وكأنها أصبحت تمثل ما يسمى بالإرادة المسلوبة, فالمجتمعات المتوجسة والحذرة مسلوبة الإرادة لأيدلوجيا تحركها عاطفياً وتستخدم عقول أفرادها دون أدنى قدرة على التفكير أو التحليل, ولعل المثال الواضح لهذه المجتمعات هي ما نراه من مشاهد استخدام الإيدلوجيا في البلدان والتي تستعدي الجميع من أجل تصدير أفكار ثورتها وعقيدتها لوهمها بأن ذلك يعيد لها فلول مجدٍ مضى, أو يصنع مجداً تتخيله, وأيضاً ممارسات جنود الأنظمة القمعية بكل وحشيتهم ضد المدنيين العزّل.


نشر بتاريخ 23-12-2011


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=11263

الاثنين، 14 يناير 2013

لا تشفقوا على المعاقين


خلال أمسية للنادي الأدبي في أبها وفي مداخلة للمعاق يحيى السميري, وهو ناشط حقوقي في مجال المطالبة بحقوق المعاقين, لم تمنعه إعاقته من خوض غمار المجتمع والسعي الحثيث إلى كل ما يمكِّن المعاقين من نيل حقوقهم على مجتمعهم, دلف قاعة النادي الأدبي وأمسيته بكرسيه المتحرك ليقول للمجتمع كلماته الصارخة والعميقة في معناها ودلالاتها.
كان عاتباً على الصحف وكتابها ووسائل الإعلام لأنهم لم يهتموا بيوم الإعاقة العالمي والذي وافق الثالث من ديسمبر الحالي, كذلك فإنه قال كلاماً هاماً للغاية وهو ينتقد بشدة قصور المجتمع ناحية المعاقين وبخاصة الإعلام, قال " نريد من المجتمع أن ينظر لنا من حيث الحقوق لا من حيث الشفقة والإحسان" هذه الكلمات تنم عن قوةٍ وعزيمة ووعيٍ حقوقي لم تتوقف عند حدود الإعاقة, وإنما تجاوزتها إلى حيث الفاعلية والتأثير في المجتمع, وأظن ما كان يبثه من ألم وشجون نابعين من ألمه الشخصي وألم بقية المعاقين في مجتمعنا حيال ما يشعرون به من تهميش وعدم اهتمام, إضافةً إلى نظرات الشفقة والإحسان اللتان يوجهها المعاقين من مجتمعهم, ولأنه من المهم أن نسعى كمجتمع إلى احترام المعاقين وتقديرهم, لأنهم يؤدون أدوارهم الحياتية دون أن يرزحوا تحت وطأة الإعاقة, فهم عناصر من ضمن كل العناصر المكونة للمجتمع, ويجب أن يتم منحهم كل الحقوق التي لهم على المجتمع والوطن ككل, بداية من حقهم في تخصيص أماكن لهم في كل زوايا وأروقة الوطن والحرص على عدم مصادرتهم وإقصائهم واعتبارهم الاعتبار اللائق بعزائمهم المتقدة وهمهم الشامخة وغير ذلك من حقوقهم على مجتمعاتهم, وأظن المعاقين الآن أصبحوا أكثر وعياً وإدراكاً وتجاوزوا مرحلة انتظار الاحسان والشفقة من المجتمع واتجهوا اتجاهاً منهجياً سليماً في سبيل المطالبة بحقوقهم المشروعة.
على هذا النحو ومن ناحيةٍ حقوقية خالصة, فإنه لزاماً على المجتمع مؤسسات وأفراد أن يحترموا حقوق المعاقين وأن يعمل الجميع وبخاصةٍ من يتماس مباشرةً معهم على منحهم كافة حقوقهم الواجبة لهم قانوناً وأخلاقاً.
أمسية النادي الأدبي بالإمكان متابعتها على قناة يوتيوب أدبي أبها, ومداخلة المعاق السميري عند الدقيقة الخامسة والأربعين, وهي على هذا الرابط.


http://www.youtube.com/watch?v=sQugGcPGhb4


نشر بتاريخ 03-01-2013


رابط المقال على الصحيفة:


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14246

زيفُ التاريخ


تزييف الحقائق وقلب الوقائع من أشنع الجرائم الأخلاقية على مرّ التاريخ البشري, لا أعلم ماذا يدفع البعض إلى ممارسة الزيف المتواصل ضد جزء عزيز وشريك أصيل في منظومة تكوين الوحدة الوطنية وتكريس الشراكة العادلة ما بين كافة الأطياف والفئات..!
ما يتعرض له الجزء النازف من محاولات المحو والإقصاء من خلال المؤسسات الرسمية والمحسوبة على الوطن يدعوا للقلق والحنق والغيض والغبن على حدٍ سواء, فمن ورقة الاختبار التي تكرس للتفرقة والشتات وتتهم الجزء في معتقده, إلى محاولات التدليس التاريخي عن طريق مؤلفين جدد لم يُعرفوا في علم التاريخ من قبل, وليس لهم ذاك الباع التاريخي الطويل والناجم عن درايةٍ وتتبعٍ ودراسة مقرونةً بإعمال الفكر المستقل النزيه والخالي من العاطفة, إلى ما تناقلته مواقع التواصل مؤخراً من خطاب رسمي لقاضٍ يلتمس الوظيفة التي تجعل له صفةً قانونية وتمكنه من الدعوة في أوساط من يتهمهم بالبدع والمحدثات في العقيد والعبادات وغيرها على حد تعبيره, ماذا يحدث يا وطن..؟ لا أحد توجه له تلك الإشارات ويصمت ويصبر كما المبتلون في جزئنا العزيز على ما بلاهم به الرب من تُهمٍ متعاقبة..! الأسئلة تتزاحم وتتراكم ولا تهتدي طريقاً وكلها تبحث عمّن يشفي نهمها ويخبرها يقيناً, لماذا..؟ وما الذنب المسبب..؟ 
رواية التاريخ المحترمة لا يمكن أن تسيء لأحد بقصد التصغير والتحقير, كما أنها لا يمكن أن تعتمد على وهن الحديث وضعيف الحجج, رواية التاريخ بطريقة انتقامية لا تثير إلا العكس, ولا يمكن أن تدع غير الآثار السيئة, كما أنها موغل كبير للصدور, وفي ذات الاتجاه فإن الاتهام بالبدعة والإحداث في الدين والشركيات الموجهة ناحية ما لا يمكن أن تأتِ بنتائج حميمية على مستوى العلاقات الإنسانية ما بين أفرد الجزء المتهم والمقصى ومن يتهمه, لا يمكن أن تكون هذه التصرفات إلا نتاجاً لثقافةٍ إقصائية حدّ التطرّف لا تعترف بالتسامح والتصالح كمنهجٍ رئيس لبناء دولة حديثة تعلي من شأن الفرد على أساس فعله وليس بسبب انتمائه المختلف, من يعتمد الاتهام والتزييف كمنهج له؛ لم يتعلم من درس الحياة وثقافة التعايش غير الشك والريبة. 
وحتى يتم بناء الكيانات القوية المتأزرة والمتكاتفة وتوجيهها نحو مجتمعٍ مدنيٍ يؤسس للعدالة, فإنه لا بد أن يسود الاحترام والتقدير ما بين جميع أفراده وطوائفه, من المهم أن تُسن القوانين المنظمة للعلاقة ما بين الجميع والتي تضمن وتكفل للكلِ حقوقه دون إقصاء أو تهميش. 


نشر بتاريخ 10-01-2013


رابط المقال على الصحيفة:


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14303