الأحد، 23 ديسمبر 2012

مجتمعات مغلفة بالفضيلة


كثيراً ما تعاني المجتمعات الغير واضحة والغير متصالحة مع نفسها مشاكل عنيفة لا يقدر على فك رموزها أي علّمٍ من العلوم الإنسانية, شأنها في ذلك شأن أي شيء في الوجود يعيش على فقاعة كبيرة لا أساس لها أصلاً. 
المجتمعات التي تتبهرج بإطارات من الفضيلة والتدين ولا تقبل أي أطروحات صريحة تُشرّح مشاكلها وأي طارئ قد ينشأ أثناء تفاعلات أفراد هذه المجتمعات مع بعضهم البعض في واقع حياتهم وممارساتهم اليومية, هذه المجتمعات ينشأ فيها وجهُ آخر للواقع مخالفاً تماماً لظاهرهِ, بل إنها في كثيرٍ من الأحيان تكون أكثر انحلالاً من المجتمعات المنحلة أصلاً, لأن الشخوص الذين يمارسون ذلك الانحلال الأخلاقي في مجتمعاتهم المنغلقة إنما يمارسونها سرّاً, ويكون الدافع لديهم أكبر نحو شدّة الانحلال, ذلك أنهم يعانون أصلاً من كبت عميق يظنون أنهم يتخلصون منه بممارسة طقوس الخفاء المنحلة في أغلبها, هذه الأفعال الناتجة عن ممارسات أفراد المجتمعات المنغلقة تؤكد أن تلك المجتمعات لم تُسهم في تربية أفرادها على سلوك الفضيلة وتنميتهم على نقد ذواتهم وتقييم تصرفاتهم, ذلك أن النقد عادةً ما يأتي من الآخر, وهذا ما يدفع أفرادها بشّدة إلى الظهور بمظهر خادع ومخالف تماماً لحقيقتهم, هذه الضبابية وعدم الوضوح تجعل من المستحيل تطبيق أي دراسة تُسهم في تعديل مسار تلك المجتمعات. 
حتى يتخلص أي مجتمع يعاني من هذه الحالة, فإنه يتوجب عليه أن يبادر حالاً بتغيير سلوك أفراده ونظرتهم الجمعية لمسرح الأحداث, إن لم يصحح المجتمع مساره فإنه مهدد بخطر مواجهته للحقيقة الصعبة والتي قد تكون ضرورة للعودة بسلوك ومفاهيم أفراد المجتمع نحو الوسط والاعتدال.


نشر بتاريخ 16-09-2011


رابط المقال على الصحيفة:


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=10513

السبت، 15 ديسمبر 2012

كركمان ومتشددو التعليم


ليس خافياً على أحد ذلك المد المتشدد الذي زحف على تعليمنا فترة الثمانينات والتسعينات الميلادية, وما نتج عنه من عقول مغيبة تماماً, قامت باقتراف الكثير من الأفعال غير المحسوبة والتي نزف الوطن على إثرها دماءً غالية.
تلك الأفكار التي لازالت تمارس نفوذها وتطفوا على السطح بين حين وأخر, إذ إنها لا تستطيع كتمان مكنونها, ولعل الحقل التعليمي هو الأكثر تأثراً بها, ومن الطبيعي أن نقول أن من تمكنت منهم أفكار التطرف والغلو هم نتاج بيئاتنا التعليمية ومخرجات تربيتها, فقد تلقنوا أفكار التطرف والتشدد على أيدي معلمين متطرفين كانوا يسعون إلى ضخ تلك الكميات الهائلة من تنظيراتهم التي تنم عن تفسيرٍ خاطئٍ للدين الإسلامي الحنيف, وكان من نتائجها المؤسفة انجراف مجموعات من العقول عن الحق, ذلك الأمر كان مكلفاً للوطن على مستوياتٍ متعددة.
حديثي هُنا عن جلوي آل كركمان مدير التعليم في عسير ومتشددو التعليم في عسير, وبما أن غلاة الفكر في تلك الأيام كانوا معلمين, فإن الكثير منهم الآن مشرفين تربويين ويشغلون مواقع قيادية هامة وصانعةً للقرار التعليمي التربوي في إداراتنا التربوية التعليمية, ففي الأيام الماضية وحينما كان يحتفل التعليم في عسير بتدشينه مشروعاتٍ تربوية تطويرية, ولأن الكرنفال الاحتفالي يتطلب عملاً احتفائياً ومهرجاناً متميزاً, حيث إن أمير المنطقة سيكون الراعي له, فقد كان من ضمن فقرات حفل التدشين فقرة إنشادية تؤديها مجموعة من طالبات الروضة أعمارهن ما بين الخامسة والسادسة جنباً إلى جنب مع تلامذة المرحلة الابتدائية بمصاحبة معزوفاتٍ موسيقية إنشادية ملائمة للحدث, هنا تحركت مياه الفكر المتطرف والمتشدد, وقادت ثورة عارمة كان الهدف منها استثارة العاطفة الدينية ضد مدير التعليم في عسير متجاوزة في ذلك كل الحدود الممكن فهمها, فقد وصف الرجل بأوصافٍ خارجة عن إطار الذوق العام والأدب في الحوار والحديث, وصفوه بأنه مرتكبٌ للمخالفة الشرعية, ويقصدون بذلك الغناء والموسيقى وما يصاحبهما من اختلاطٍ, ولا أعلم أي نوعٍ من الاختلاط يقصدون, وإن كنت أظنهم يقصدون نوعاً جديداً اسمه (اختلاط الصغيرات), هذا الأمر الغير أخلاقي والهجوم الشرس ما هو إلا نتاج لترسبات تلك الأفكار, فمازال الفكر المتشدد والمتطرف يظهر بوضوح من خلال تغلغله في مؤسساتنا التعليمية وإن بقي نائماً ومداهناً للواقع, إلا أنه لا يلبث أن يفضح نفسه, ولعل مدير التعليم في عسير آل كركمان قاد عملياتٍ تفكيكية لذلك الفكر ورموزه كانت في غاية الروعة من حيث إنه استطاع تفكيك العديد من تلك الدوائر المغلقة, هذا الأمر الذي يُفسِّر السرّ وراء محاولات شحن المجتمع وتجييشه ضده من خلال استخدام العاطفة الدينية وانتخائها لدى المجتمع.
على أي حال فإنه لابد من التنبيه على أن أفكار التشدد والتطرف مازالت كامنة في مؤسساتنا التعليمية, ومن المهم أن يتم العمل على إذابتها والقضاء على أي بيئة تمكنها من الحياة والتكاثر كما فعل آل كركمان, لأجل أن نتمكن من بناء مجتمع يؤمن بالوسطية والتسامح ويشكلُ رافداً قوياً من روافد التنمية البشرية. 


نشر بتاريخ 13-12-2012

رابط المقالة على الصحيفة:

http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14075

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

صميلي والعلاقات السعودية اليمنية


العلاقات السعودية اليمنية لها طابعها المُختلف عن أي علاقات دولية أخرى, ليست عابرةً أو مجرد مصالح مشتركة تجعل من التواصل ضرورةً نفعية لأجل ضمان وأمن جانب الآخر, بل إن حقيقتها تأتي على أساس أنها علاقة مكانٍ وإنسان وتمضي في ذلك ضاربةً بجذورها في عمق التاريخ الإنساني البعيد, والذي لا يعترف إلا بالديموغرافية الواحدة.
من أبرز ما يُكدر تلك العلاقات المواقف الفردية والتي تنم عن رؤى شخصية بحتة ولا تتعداها, فليست تلك المنغصات مواقف رسمية معلنة لأي من الحكومتين, المشكل في الأمر أن المواقف الفردية غير المحسوبة قد تعطي نمطاً من الشعور بالفتور في العلاقة يظهر على المشهد للوهلة الأولى, وفي بعض الأحيان يزداد الأمر سوءاً بخروج ظواهر متأثرة بتلك المواقف الكارهة لمصلحة البلدين وتكون موحيةً إلى حدٍ كبير بالتباعد والتنافر الفكري والثقافي إلى حد القطيعة, بل إن المتأمل في تلك الفردانيات لا يستوحي أي تقارب ثقافي أو اجتماعي, لزم الأمر وقتاً حتى يأتِي من يعمل على إرساء وتصحيح المسار لتلك العلاقات في طابعها الإنساني والذي يهتم بالإنسان في جانبه الثقافي مما يتيح المجال واسعاً للقدرة على التفاعل ما بين مكوناتها المتقاربة, الدور الذي يؤديه الدكتور علي الصميلي الملحق الثقافي السعودي في صنعاء دورٌ مهمٌ للغاية من حيث بعث الروح في تلك العلاقات, إذ إنه عمل خلال الفترة الماضية تقديم الصورة الحقيقية والرائعة للمملكة العربية السعودية وثقافتها الإنسانية وحقيقة كوامن الإنسان السعودي وقبوله المحض للآخر وبخاصة الإنسان اليمني الشريك الأقرب ديموغرافياً, وكان من أهم الأفكار التي نادى بها الملحق الثقافي في صنعاء هو ذلك الذي أعلن عنه إبان معرض الكتاب في الفترة الماضية في صنعاء, ودعوته إلى إنشاء مركز ثقافي سعودي يمني يعمل على تبادل الثقافات الإنسانية بين إنساني المكانين, هذا المقترح إن تم تفعيله فإنه سيكون رافداً مهماً لوضع ذلك النوع من العلاقة في إطاره السليم والذي يعمل على تقوية العلاقات والتواصل الثقافي ما بين الشعبين الشقيقين والثقافتين المتلاصقتين, هذا من الناحية الشعبوية وهي الأهم من حيث الجانب الثقافي والإنساني, إذ إن الفتور الظاهر لم يكن نتاج مواقف سياسية.


نشر بتاريخ 29-11-2012


رابط المقالة على الصحيفة


http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=13956