السبت، 15 ديسمبر 2012

كركمان ومتشددو التعليم


ليس خافياً على أحد ذلك المد المتشدد الذي زحف على تعليمنا فترة الثمانينات والتسعينات الميلادية, وما نتج عنه من عقول مغيبة تماماً, قامت باقتراف الكثير من الأفعال غير المحسوبة والتي نزف الوطن على إثرها دماءً غالية.
تلك الأفكار التي لازالت تمارس نفوذها وتطفوا على السطح بين حين وأخر, إذ إنها لا تستطيع كتمان مكنونها, ولعل الحقل التعليمي هو الأكثر تأثراً بها, ومن الطبيعي أن نقول أن من تمكنت منهم أفكار التطرف والغلو هم نتاج بيئاتنا التعليمية ومخرجات تربيتها, فقد تلقنوا أفكار التطرف والتشدد على أيدي معلمين متطرفين كانوا يسعون إلى ضخ تلك الكميات الهائلة من تنظيراتهم التي تنم عن تفسيرٍ خاطئٍ للدين الإسلامي الحنيف, وكان من نتائجها المؤسفة انجراف مجموعات من العقول عن الحق, ذلك الأمر كان مكلفاً للوطن على مستوياتٍ متعددة.
حديثي هُنا عن جلوي آل كركمان مدير التعليم في عسير ومتشددو التعليم في عسير, وبما أن غلاة الفكر في تلك الأيام كانوا معلمين, فإن الكثير منهم الآن مشرفين تربويين ويشغلون مواقع قيادية هامة وصانعةً للقرار التعليمي التربوي في إداراتنا التربوية التعليمية, ففي الأيام الماضية وحينما كان يحتفل التعليم في عسير بتدشينه مشروعاتٍ تربوية تطويرية, ولأن الكرنفال الاحتفالي يتطلب عملاً احتفائياً ومهرجاناً متميزاً, حيث إن أمير المنطقة سيكون الراعي له, فقد كان من ضمن فقرات حفل التدشين فقرة إنشادية تؤديها مجموعة من طالبات الروضة أعمارهن ما بين الخامسة والسادسة جنباً إلى جنب مع تلامذة المرحلة الابتدائية بمصاحبة معزوفاتٍ موسيقية إنشادية ملائمة للحدث, هنا تحركت مياه الفكر المتطرف والمتشدد, وقادت ثورة عارمة كان الهدف منها استثارة العاطفة الدينية ضد مدير التعليم في عسير متجاوزة في ذلك كل الحدود الممكن فهمها, فقد وصف الرجل بأوصافٍ خارجة عن إطار الذوق العام والأدب في الحوار والحديث, وصفوه بأنه مرتكبٌ للمخالفة الشرعية, ويقصدون بذلك الغناء والموسيقى وما يصاحبهما من اختلاطٍ, ولا أعلم أي نوعٍ من الاختلاط يقصدون, وإن كنت أظنهم يقصدون نوعاً جديداً اسمه (اختلاط الصغيرات), هذا الأمر الغير أخلاقي والهجوم الشرس ما هو إلا نتاج لترسبات تلك الأفكار, فمازال الفكر المتشدد والمتطرف يظهر بوضوح من خلال تغلغله في مؤسساتنا التعليمية وإن بقي نائماً ومداهناً للواقع, إلا أنه لا يلبث أن يفضح نفسه, ولعل مدير التعليم في عسير آل كركمان قاد عملياتٍ تفكيكية لذلك الفكر ورموزه كانت في غاية الروعة من حيث إنه استطاع تفكيك العديد من تلك الدوائر المغلقة, هذا الأمر الذي يُفسِّر السرّ وراء محاولات شحن المجتمع وتجييشه ضده من خلال استخدام العاطفة الدينية وانتخائها لدى المجتمع.
على أي حال فإنه لابد من التنبيه على أن أفكار التشدد والتطرف مازالت كامنة في مؤسساتنا التعليمية, ومن المهم أن يتم العمل على إذابتها والقضاء على أي بيئة تمكنها من الحياة والتكاثر كما فعل آل كركمان, لأجل أن نتمكن من بناء مجتمع يؤمن بالوسطية والتسامح ويشكلُ رافداً قوياً من روافد التنمية البشرية. 


نشر بتاريخ 13-12-2012

رابط المقالة على الصحيفة:

http://www.albiladdaily.com/articles.php?action=show&id=14075

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق